للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه العادات والتقاليد القانونية ومفسريها من زعماء الكهنة أو الأشراف (إما لضعف السلطة الملكية وإما لاتساع المملكة وعجز الملك عن القيام بالقضاء بين أفرادها) واحتكروا معرفتها وساعدهم على الاستئثار بمعرفة هذه القوانين جهل العامية من المصريين، فأصبحوا يفسرونها بحسب ما تمليه عليهم شهواتهم ويطبقونها بحسب ما يكون فيه منافعهم ويؤولونها بما يؤيد استمرار سلطتهم واتساع نفوذهم؛ ويسمى هذا العصر بعصر التقاليد غير المدونة. ولما كثر ظلمهم لعامة الشعب المصري وظهر للشعب سوء نيتهم قلبوا لهم ظهر المجن وطالبوا بتدوين هذه العادات وتلك التقاليد في نصوص تنشر على الناس جميعاً حتى يعرف كل شخص في الأمة حقوقه وواجباته؛ وبذلك بدأت مرحلة تدوين القانون. وقد جمعت تلك القواعد العرفية في نصوص كتبت في ألواح من الفخار أو الخشب أو البرنز وباشرت الحكومة إصدارها ونشرها في الناس

ولقد كانت القوانين المصرية في دورها الأول ذات صبغة دينية، وكانت تميل إلى الإنصاف والعدل كما كانت مشربة بمكارم الأخلاق فأصبحت بذلك قريبة إلى المثل الأعلى للحق؛ ثم تشبعت بعد ذلك بالمسحة المدنية وبخاصة عندما ضعف نفوذ الكهنة بمصر

ويرجع ظهور التشريع بمصر إلى القرن الخمسين ق. م إذ في هذا القرن تعلم المصريون الكتابة عندما وضع لهم (تحوت) إله القانون ما وضع من قوانين ثم جمعها لهم سنة ٤٢٤١ ق. م وعلى مر السنين بعثرت تلك القوانين فجاء الملك (بوخوريس) مؤسس الأسرة الرابعة والعشرين (٧١٨ - ٧١٢ ق. م) وجمعها ثم عدلها ووضعها في مجموعة واحدة نظم بها المعاملات المدنية والأحوال الشخصية وبذلك سميت بمجموعة بوخوريس عند المصريين وبقانون العقود عند الإغريق فيما بعد ذلك

وقد عمل في مصر في مجموعة قوانين بوخوريس هذه بعد أن امتدت إليها يد التنقيح أكثر من مرة في العهد الفرعوني وطبقت على المصريين أيام حكم الإغريق والرومان لمصر حتى سنة ٢١٢م حيث أصدر الإمبراطور الروماني كراكلا (٢١١ - ٢١٧م) قانوناً منح به الرعوية الرومانية لسكان الإمبراطورية الرومانية وكانت مصر جزءاً منها، وبذلك طبقت في مصر القوانين الرومانية

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>