للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالقوة عند الاقتضاء، لأنهم كانوا غير ملزمين بالالتجاء إلى هذا (الحكم) ولا مجبرين على اتباع قراراته، بل لم يكن هو نفسه مجبراً على الفصل بين من يحتكمون إليه؛ وكانت القوة هي الملاذ الأخير يلجأ إليه من لم يرض بنتيجة التحكيم لفض النزاع. ثم خطت الأمة المصرية بعد ذلك خطوات سريعة إلى الرقي إذ أحلت النظام القضائي محل الطرق السابقة وحتمت الالتجاء إلى المحاكم لتفصل في النزاع وفق قانون معين مسنون

نشوء فكرة القانون عند قدماء المصريين

لما كان الإنسان محتاجاً إلى زاجر يزجره أو رادع يردعه فقد أحس منذ القدم وجوب وضع القواعد والقوانين التي تحدد له مدى سلوكه ونشاطه وتحفظ له حقوقه وتقي الناس اعتداءه؛ لهذا وجب أن نتكلم عن المظاهر الأولى التي برزت فيها فكرة القانون في المجتمع المصري القديم وكيف استقل وتباعد عن المصلحة المادية المعززة بالقوة

لما نشأت المدينة كوحدة سياسية وتكونت من جماعات هذبتها العقائد الدينية وثنية كانت أم سماوية، وخضعت تلك الجماعات لسلطة رئيس الإقليم أميراً كان أو ملكاً، نشأت عندئذ فكرة القانون مستقلة عن القوة

كان قدماء المصريين يعتقدون أن المعبودة (ما) أو (معت) هي إله العدل والحق؛ لذا وضعوا على تاجها ريشة نعامة، وكانت تدل عندهم على العدل. وكانوا يقولون إن (توت) أو (طهت) أو (تحوت) المعروف عند اليونان باسم (هرمس) نزل إلى الأرض ووضع لسكان وادي النيل القدماء القواعد الأساسية للقوانين المدنية والجنائية فاعتبروه رب القوانين وإله كل المعارف؛ وكانوا يقولون عنه إنه أول مشروع مصري يحتذي وينسج على منواله. ويزعمون أنه ترك كتباً قيمة في التشريع وفي نظم القضاء، ولكنا لم نهتد إلى شيء من تلك الكتب. وكانوا يعتقدون أن للعدالة إلهاً يوحي بالحكم لمن يرفع إليه النزاع من الكهنة أو السحرة. وكان من نتيجة اعتقادهم أن قوانينهم منزلة عليهم من السماء وأنها صادرة بوحي الآلهة ومشورتهم أن صبغ القضاء عندهم بالصبغة الدينية التي أكسبته الإجلال والوقار. ثم تكونت بمضي الزمن وتكرر الحوادث والمنازعات المتماثلة أو المتشابهة وصدور أحكام مصدرها الإلهام - عادات مرجعها الإلهام ليس لها صفة إلزامية، وإنما تستمد قوتها من صفتها الدينية ومصدرها الإلهي المنسوبة إليه؛ ثم تولى القضاء حفظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>