فرحت أرفه عن النفس بعد الانصراف عن هذا المجلس بتسجيل تلك الخواطر وكتابة هذا المقال؛ بيد أنه لم يكن لي من الشجاعة الأدبية أو من الاعتداد بما كنت أكتبه آنئذٍ ما يجرئني على النشر، فطويت المقال فيما طويت من الأبحاث وجعلت مع الأيام أترقب المناسبات والفرص التي تهيئ لي نشره إلى أن أقامت الرسالة الغراء تعالج هذا الموضوع - موضوع الاجتهاد - وتشجيع الأقلام على تمحيصه بحثاً وتفكيراً، فحولت وجهي نحوها معتداً بإنصاف الأستاذ الكبير - صاحب الرسالة - وعطفه على مثل هذه الموضوعات التي تتوالى على صفحات مجلته، وإن كنت قد خالفت أولئك الباحثين في لهجتي ومنحاي، اعتقاداً مني بأن المجاملة والمداورة والتملق في مثل هذا المقام لا تسمن ولا تغني، بل هي إلا إغراء المتعنتين بتعنتهم وجمودهم أقرب منها إلى تأييد المخلصين والأخذ بيدهم إلى مكامن الداء ومواضع العلة، وهي كذلك إلى التلبيس والإبهام أقرب منها إلى الصراحة والجهر بالحق الذي يجب أن يقال في محاربة العرف الزائف ومعالجة الأهواء المريضة، وتقويم الأفكار المستعبدة، من حيث لا يغني التردد والخوف عن الثقة بالنفس والإقدام بالقول والعمل شيئاً
- ٢ -
لا جرم أنه كان في إقفال باب الاجتهاد بعض التقييد للحرية والاستقلال في الرأي، وبعض الحجر على العقل والفكر والمنطق أن تجري مجراها الطبيعي الذي أعدته الشريعة السمحاء وهيأته طبيعة الحياة الحرة: ولا جرم أنه كان في فتحه على مصراعيه تعزيز للعلم وتحرير للفكر والمنطق، وتنزيه للإسلام - دين الفطرة - عن الجمود والضيق لو قد انتهى بنا الأمر إلى ما كان يجب من الانطلاق مع نتائج التحرير العلمي والفكري، وجعل الدين - بذلك - مآلاً للمحبة وغاية للاتحاد وتفسيراً للحياة من سائر الوجوه والنواحي تفسيراً يقره منطق الحياة الحكيم، وتكبره الفطرة الإنسانية الحرة
أما والنتيجة ليست - بجميع ذيولها - كما يظن ويفترض لا أحسب أنه كان في فتح باب الاجتهاد على هذا النحو من الاضطراب والفوضى التي نجدها عند علمائنا اليوم - خدمة للعقل والدين أكثر مما كان في سده وإقفاله عند غيرهم
. . . فها نحن أولاء معشر الشيعة الإمامية ممن استمروا على القول بالاجتهاد وخطوا على