ضوئه خطوات واسعة في العلوم الدينية والإسلامية وتأنقوا ما شاء لهم التأنق في علوم الكلام، والحديث، والتفسير، والفقه، والأصول، وإنهم لتأنقهم وتوسعهم في هذا الأخير قد أحالوه إلى مزيج من الفلسفة والنظريات الغريبة وأوشكوا أن يخرجوا ببعض مباحثه عن حدود المعتقدات الشيعية كما هو الشأن في بحث (اتحاد الطلب والإرادة) على ما قرره صاحب الكفاية - ها نحن أولاء قد استحال عندنا الاجتهاد أو كاد أن يستحيل - بتشعب أفكار الباحثين وتعسفهم في التفكير والتخييل وتسامحهم في النتائج إلى نوع من الافتراضات والوساوس والشكوك، يستطيع معها ضعاف الوجدان والعقيدة من ذوي الأهواء والمآرب الشخصية أن يستنبطوا لكل مأرب حكما، وأن يخلقوا لكل عسف عذراً، وأن يمهدوا لكل شذوذ في القول والفعل قياساً وشكلا، يدرأ عنهم التهم، ويحتفظ لهم بثقة الجمهور، ويشحذ لهم من منطق الدين شركاً للصيد وسلاحاً للنقمة، من حيث لا يستطيع - مع هذه الوساوس والشكوك - من يحتاط لدينه ووجدانه أن يجزم بحكم من الأحكام الفرعية إلا فيما شذ وندر من الأحكام التي لا تتسع للتأويل والافتراض والجدل
ذلك إذا كان الذين يتخصصون بتلكم العلوم الدينية من ذوي الكفايات والمواهب السامية، فكيف بنا إذا كانوا من البله والحمقى الذين من شأنهم أن يكونوا عرضة للتلبيس ومظنة للأوهام وأرجوحة للأهواء السياسية والمنبهات العصبية، أو الذين لا يتعلمون هذه العلوم في الغالب إلا احتفاظاً بتقاليد آبائهم وإلا ذريعة للرزق والاكتساب؟
أفترى أن الأمة أو أن الدين - بمثل ذلك - يمكن أن ينتهي إلى غاية أو يستقر على رأي؟ أم هل يمكن مع هذه الحال أن تكون النتيجة إلى غير ما نحن عليه اليوم من فوضى الاجتهاد وإطلاق العنان لكل طامح ولكل معتوه يسول له غروره وجشعه أن يستغل هذا الاسم ويدنس روحانيته بما يوسوسه له الهوى وحب الذات من فتاوى وأحكام وبدع يرسلها إرسال المسلّمات، ويصرفها تصريف المطمئن إلى صوابه، وكفايته، وإخلاصه؟ أم هل يمكن أن تؤول بنا الحال إلى غير ما منينا به في جبل عامل من تنابذ العلماء وتجريح بعضهم بعضاً ومحاولة كل منهم أن يذهب إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر في تحريمه وتحليله وتقريبه وتبعيده؟
أم هل لنا مع كل هذا - ومع تيقننا من أن الدين الإسلامي إنما وجد لخير الإنسان وصالحه