وتوجيهه نحو المثل العليا التي توحد بين أفراده وشعوبه وتجعلهم إخواناً في السراء والضراء - أن نقول إن فتح باب الاجتهاد عندنا كان أجدى على الدين من سده وإقفاله عند إخواننا السنية؟ هيهات هيهات! ولو أن الذين أوصدوا باب الاجتهاد لم يتأثروا بعوامل زمنية واعتبارات سياسية بأن انقطعوا فيما وقفوا عنده واختاروه من المذاهب، لما كان أكثر انطباقاً على جوهر الكتاب والسنة وأقرب ملائمة لمنطق الحياة الاجتماعية والعقلية، وأشد اتساقاً مع دواعي الاحتياط والحزم واختلاف الأيام والظروف، وتطور الحاجات. . . لكان إقفاله على ذلك النحو من الإحكام والاعتدال - في تلك الأيام العصيبة والظروف الحرجة - أجدى على الإسلام من فتحه على هذا الشكل من الفوضى والتسامح والاسترسال مع كل شذوذ وتعسف وادعاء شخصي، وأضمن لمنعته واتحاد كلمته، واتساق سلطانه
هذا وإن الأمر الذي ما انفك يقلق بال كل أريب ويريب خاطر كل مفكر - وللاجتهاد حكمته البالغة ومزيته العظمى في ترويض الأصول العلمية وتصريف الأحكام على ما توجبه ضرورات الحياة ويقتضيه تطور أحوالها واختلاف دواعيها وجعل الدين (بذلك) يتسع لأبعد مدى في تطورها وتقدمها - خمولنا نحن الشيعة حملة لواء الاجتهاد وتخلفنا في ميادين الحياة على اختلاف أنواعها وفروعها، دون بقية الفرق الإسلامية التي حُلئت عن نعمة الاجتهاد ولم ترزق مرونة منطقه ورحابة صدره تخلفاً لم ينفع معه استقلال إيران الشيعية في السلطان ونزولها على آراء المجتهدين وامتثالها لإرادتهم في كل شأن من شؤونها وفي كل طور من أطوارها، طول هذه الحقبة الغابرة من الدهر
ثم جمود أكثر أولئك المجتهدين منا وتحرجهم تحرجاً يغري الناس بالجمود والتقليد، ويميت فيهم حياة العزة والطموح، كأنما أوتوا منطق الاجتهاد ليحاربوا كل جديد في الحياة، ويطاردوا كل مصلح، ويفرضوا على الناس حياة الاتكال الراتبة، وعيش الاعتزال المبتور، أو ليختصروا هذه الشريعة الكونية ويضيقوا هذه السهلة السمحاء، ولا يوجهوا كبير عنايتهم وجهودهم لغير هذه الفوارق والتقاليد المذهبية التي أوشكت أن تكون - بحكم ذلك الخلاف والتعصب الإسلامي العام - بمنزلة الأصل للكتاب والسنة، يؤول ما التبس منهما واختلف على حسب المألوف والمعتبر من ذلك لدى كل فرقة من فرق الإسلام