ثم ما الاجتهاد إن لم يكن في جملته ومآله عبارة عن استقلال الفقيه في تفسير الكتاب والسنة، واستنباط الأحكام الشرعية من ذلك لكل واقعة من وقائع الحياة قديمها وحديثها على حسب المنطوق والمفهوم، وعلى مقتضى العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، وما إلى ذلك مما توضحه القرائن ويقره الذوق والمنطق؟
وهو بهذا المعنى محدود النطاق ليس لعقل المجتهد باصطلاحنا ولا لخياله أن يتجاوز به ما وراء الجمل والألفاظ في الكتاب والسنة، فإنه على فرض أن تنص القرائن الحالية والمقالية - وفرض المحال - ليس بمحال - على معنى من معاني الكتاب والسنة لا يساعد على استخراج الحكم الذي يقتنع به العقل ويستسيغه الذوق ويتفق مع ماجريات الحياة، لا يستطيع المجتهد أن يتجاوز النص في حكمه ويراعي مقتضى العقل المجرد، والذوق السليم، لنتحلل من إطلاق القول:(أنه كان في سد باب الاجتهاد حجراً عاماً على العقل)
ثم ما يدرينا من أن يكون هم من أوصدوا هذا الباب آن ذلك بعد أن اتضحت عندهم أكثر أحكام الفقه وقضاياه واطمئنوا إلى تحرير نصوصه وأدلته:
أولاً - الاحتياط من أن تتعدد المذاهب الإسلامية إلى غير نهاية وأن يكثر الخلاف ويستحكم حتى تتفرق الكلمة ويتمكن الدخلاء والدساسون من الكيد للإسلام، فتنحل قواه، وتلتبس حكمته، ويضطرب قصده، وتنعكس الآية (إنما المؤمنون إخوة)
ثانيا ً - تحرير الفكر وتوجيهه إلى باقي النواحي العلمية والفكرية التي استقبلها الإسلام في أوج نهضته وازدهار مدنيته وحضارته - باعتقاد أن مجاهل الحياة المتشعبة وحاجات الإنسان المتعددة المتنوعة أبعد مدىً وأوسع نطاقاً من أن تنحصر أو تتضح أو تحد بما ينطوي عليه الفقه والأصول من أحكام وقواعد ليقتصر البحث عليها كما كانت الحال إذ ذاك
هذا وإذا كان الاجتهاد في الفقه لا يعدو في جملته ومآله أن يكون من قبيل الاجتهاد في تفسير الجمل والمفردات اللغوية والتمييز بين الحقيقي وبين المجاز، والمنقول، والمشترك منها، بعد البحث عن تاريخ نشأتها، وعما كان يلابسها آن ذلك من قرائن حالية ومقالية وما كان يتصل بها ويكتنفها من عوامل الاجتماع والسياسة ومن خصائص الزمان والمكان، ثم عما رافق تطورها وتنقلها في الأيام، والجماعات، والأشخاص، من تحوير وتغيير. وكما