أنهم هنا قد اختلفوا بين القول بإباحة التفسير بالرأي وبين القول بعدمه، وترددوا بين القول بجواز الاشتقاق والتصريف، والوضع للمستحدثات من المعاني وبين القول بعدمه. ثم انتهى بهم الخلاف والتردد إلى عدم الاطمئنان للفرد مهما كان شأنه، وإلى الاتفاق على تأليف مجمع من العلماء الاختصاصيين يوكل إلى مجموعه التصرف فيما يتفقون عليه من رأي
فلماذا لا يكون واقع الأمر هناك - في الفقه - كذلك؟ ولماذا لا ننتهي بعد هذا النزاع الطويل العريض الذي أحكمه ووسعه استئثار الفرد وتمادي الفوضى إلى ما قد انتهى إليه علماء اللغة من تأليف مجمع من علماء الدين على اختلاف مذاهبهم ونحلهم ثم إنشاء (مجلة) لتحرير البحث في مواضع النزاع بينهم وتعميم ما يقرره منطق العلم والدين، والحياة الحرة، ويفرضه التجرد لمحض الحق والخير؟
وعلى فرض أن تصطدم هذه الوسائل - في أول الأمر - بما قد فطر عليه الجمهور من جمود في الطبع، واحترام للشائع من أوضاع وتقاليد، والتمسك بالمألوف من عرف ورواية، أو أن تحدث هذه الأبحاث رد فعلٍ في الأوساط الإسلامية كما هو الشأن في كل فكرة جديدة - علميةً كانت أو دينية - لا تنسجم مع الشائع والمألوف من عادة وقول - إنه على فرض أن يكون ذلك كله في أول الأمر، فلابد لهذه الوسائل في النهاية من أن تقوى وتسلس لنتائجها الأفكار والعقول وتراض على مقرراتها الأذواق والنفوس من عامة المسلمين وخاصتهم ولاسيما إذا استمرت معها عواطف المصلحين وحججهم الدامغة وتضافرت على تأييدها وتقريرها في المجتمع الإسلامي الحياة في تطورها والثقافة في تقدمها، وإلا فالاتكال على المصادفات أو ما يشبه الاتكال عليها - في الإصلاح والتأليف - عجز وقنوط لا يقتنع به المصلح المعتد بصواب مبادئه، وسداد خططه، وسمو غايته، ولا يليق بالأمم المتفائلة الطامحة
أجل! ماذا يمنع حماة الدين وقادة الفكر في العالم الإسلامي أن يؤلفوا لجنة دائمة أو لجاناً من العلماء الاختصاصيين الذين عرفوا بمرونة الرأي وسمو الفطرة وسلامة الذوق، وهيأت لهم الظروف أن يضيفوا إلى ثقافتهم الدينية ثقافة اجتماعية عالية تشعرهم بواجبات الحياة وواجبات الدين، وتمكنهم من التوفيق بين ما التبس أو تفاوت من نواميسهما - يوكل إلى هذه اللجنة تسوية الخلاف القائم بين المذاهب الإسلامية وتحرير النصوص والأدلة على