ضوء العلم وسداد المنطق النزيه، وتعديل الأحكام والنواميس وتقريرها على وجه تذوب فيه النعرات والفوارق، ويستقيم القصد والغاية، ويستمر العمل والسير على المنهج القويم اللاحب
وهل ذلك بعزيز على همم المخلصين من القادة إذ هم احترسوا في أخذ النصوص والأدلة والأحكام، مما جره عليها عادي الزمن وتصادم العصبيات وتزاحم المذاهب السياسية والدينية وتنازع الأهواء الشخصية والحزبية، من تلبيس، واختلاق، وتصحيف وإدغام
ثم راعوا في تفسيرها وتوجيهها، تجدد الحياة واتساع أفقها وتطور مقتضياتها، وتشعب ضرورياتها وكمالياتها عما كانت عليه في صدر الإسلام وعهد أئمته الأول
فإنه لم يبق في إمكان الفرد أن يقوم بمثل هذه المهام - مهام الاجتهاد - كما ينبغي ويجب حتى في الطائفة الواحدة من طوائف المسلمين، لأن الدين بالنظر لتوسع أبحاثه وتشعب فروعه، ولأن الحياة بالنظر لتعقدها وتطورها المستمر، قد أصبحا أكبر من أن يستقصي حقائقهما ويستكنه أسرارهما ويطابق بين داعيهما فرد مهما كان، ليوكل إليه بمثل هذه المهام الشاقة ولأن الفرد مهما كانت عبقريته ومهما كانت جهوده لا يمكنه أن يكون منزهاً عن الخطأ معصوماً من الزيغ حرياً بأن يستقل بجهود أمة وتراث أجيال، ويتصرف بمقدرات الأفكار والعواطف الدينية
- ٤ -
ولكن مثل هذا العمل الإنساني الخطير لا أحسبه يتم على وجهه الأكمل ويكون له أثره الفعال في جميع الأوساط الإسلامية إذا لم تتحفز (النجف) ويهيب بها داعي النهضة إلى أن تجاري (الأزهر) وتتلافى هذه الفوضى السائدة في مدارسها وفي كتبها الدراسية وفي أساتذتها وتلامذتها، ثم في الاجتهاد والتقليد أيضاً بالعمل على تنظيم تلك المدارس ومراقبة الأساتذة والتلامذة والكتب الدراسية فيها، وإعداد اللجان الاختصاصية لتعديل برامج التعليم وتوسيع هذه البرامج، ثم تحوير الكتب الدراسية أو تغييرها وترتيبها على حسب عقلية التلامذة وعلى حسب مراتبهم العلمية، لتتضح بذلك السبل أمام الطالب وتقرب النتائج ويتوفر عليه من الوقت والنفقة ما يزيد في نشاطه وطموحه إلى أن يتثقف ثقافة عالية تيسر له بعد الاختصاص بما يختص به من علوم الدين أن يتذوق الدين وأن يتذوق الحياة بدون