الفكرة رأى سكان الأقطار العربية ومن يأتون بعدنا أننا لم نفهم النحو، وأن مصر تدرس النحو وتقرأه في كتب المتقدمين والمتأخرين ولا تفهم أقوالهم الواضحة فتعزو إليهم ما لم يقولوه
وأنا أبادر إلى بيان رأي النحاة في علامات الإعراب وأقرر أنهم جميعاً - لا مستثنياً أحداً - يرون أن الحركات علامات على معان تركيبية؛ وأنهم قرروا أن الضمة علم الفاعلية، وأن الفتحة علم المفعولية، وأن الجر علم الإضافة، وأنه لا فرق بين ما ذهب إليه الأستاذ من أن الحركات أعلام على معان، وما ذهب إليه النحاة. وأنا أؤكد للأستاذ المؤلف أنه ما من نحوي واحد ذهب إلى أن الإعراب حكم لفظي خالص وليس في علاماته إشارة إلى معنى ولا أثر في تصوير المفهوم، وأنى أتحدى - وأنا أقصد ما أقول - من يخالفني أن يقيم الدليل على ما يقول
إن علماء النحو جميعاً يرون أن الحركات دوال على معان وقد صرحوا به تصريحاً جلياً
أليسوا قد ذكروا في سبب وضع النحو أن أبا الأسود الدؤلي سمع قارئاً يقرأ (إن الله برئ من المشركين ورسوله) بالجر فقال: معاذ الله أن يكون بريئاً من رسوله. اقرأ (إن الله برئ من المشركين ورسوله) بالرفع؛ فالكلام واحد ولم يتغير فيه إلا حركة اللام، فإذا حركت بالجر أدى إلى كفر، وإذا حركت بالرفع أدى إلى معنى مستقيم لا كفر فيه. فهل كانوا يرون ذلك وهم يرون أن حركات الإعراب لا تدل على معنى ولا أثر فيها لتصوير المفهوم؟
أليسوا يذكرون أن أبا الأسود سألته ابنته: ما أحسن السماء يا أبت (برفع أحسن وجر السماء) فقال: نجومها. فقالت: لا أريد هذا أنا أتعجب من حسنها. فقال: ما هكذا تقولين، قولي ما أحسن السماء (بفتح أحسن ونصب السماء) هل كانوا يحكون هذا ويتداولونه في كتبهم وهم يرون أن الحركات لا تدل على معنى في لغة العرب؟
أليسوا قد عرفوا العامل بأنه ما به يتقوم المعنى المقتضى للإعراب؟ أليس ما حكوه من قول بن مالك:
ورفع مفعول به لا يتلبس ... ونصب فضلة أجز ولا تقس
كان كافياً لأن ينبه المؤلف إلى أنهم يعتقدون أن علامات الإعراب دوال على المعاني؟ فالبيت معناه أن الرفع علامة الفاعلية والنصب علامة المفعولية؛ فإن كان هناك موضع