تميز فيه الفاعل عن المفعول بغير العلامة فأعط كل واحد منهما علامة الآخر مادام لا يلتبس ككسر الزجاجُ الحجرَ فإنه معلوم هنا الكاسر من المكسور. أليسوا قد ذكروا أن الأصل في الأسماء الإعراب وعللوا ذلك بأنها هي التي تتعاور عليها المعاني المقتضية للإعراب كالفاعلية والمفعولية الخ؟ أليسوا عند تفسير القرآن أو الشعر يعربونه أولاً ثم ينزلون المعنى على حسب هذا الإعراب ويعربونه إعراباً آخر فينتظم نظاماً آخر ثم ينزلون المعنى على حسب هذا النظم؟
وذلك كقوله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) بالنصب، والمعنى عليه أن الذين يخشون الله هم العلماء، وعلى القراءة التي ترفع لفظ الجلالة وتنصب العلماء يكون المعنى لا يخشى الله أحداً إلا العلماء
إن النحو كله مبني على أن حركات الإعراب دوال على معان تركيبية مقصودة من الكلام، ومن لم يفهم هذا الأصل لم يقدر أن يفهم علم النحو ولا آراء المفسرين ولا آراء علماء العربية في تفسير الشواهد والقصائد من الشعر
فإذا لم يقنعك هذا دليلاً على أن علماء النحو يعتقدون أن علامات الإعراب دوال على معان، فسنأخذ في بيان أصرح، وسننقل لك من كلامهم ما هو أوضح
قال الخضري في حاشيته على بن عقيل في ص٣٠ في بحث المعرب والمبني:(وإنما أعرب المضارع لشبهه الاسم في أن كلاً منهما يتوارد عليه معان تركيبية لولا الإعراب لالتبست. فالمتواردة على الاسم كالفاعلية والمفعولية والإضافة في ما أحسن زيداً، وعلى الفعل كالنهي عن كلا الفعلين أو عن أولهما فقط أو عن مصاحبتهما في نحو لا تعن بالجفا وتمدح عمراً. ولما كان الاسم لا يغني عنه في إفادة معانيه غيره كان الإعراب أصلاً فيه بخلاف المضارع يغني عنه وضع اسم مكانه كأن يقال في النهي عن كليهما ومدح عمرو وعن الأول فقط، ولك مدح عمرو، وعن المصاحبة مادحاً عمرا. فكان إعرابه فرعاً بطريق الحمل على الاسم. هذا ما اختاره في التسهيل)
وقال بن يعيش في شرح المفصل للزمخشري في ص٧٢ من الجزء الأول:
(والإعراب الإبانة عن المعاني باختلاف أواخر الكلم لتعاقب العوامل في أولها. ألا ترى أنك لو قلت ضرب زيدْ عمرْ وبالسكون من غير إعراب لم يعلم الفاعل من المفعول؟ ولو