إن لدور المحفوظات مهمة من أجل المهام التاريخية والعلمية فهي مستودع الماضي وسجلاته ومستودع وثائقه السياسية والدينية والاجتماعية؛ وهذه السجلات والوثائق هي أهم مصادر المؤرخ والمحقق، وهي أصدق الدلائل على أحوال عصرها لأنها تصطبغ غالباً بالصبغة الرسمية، ومنها الوثائق الملوكية والإدارية والعسكرية ومنها الوثائق والمعاهدات الدولية المختلفة؛ ثم هناك الوثائق السرية التي لم تعرف في عصرها، وهي أنفس ما في دور المحفوظات، تتلقاها من مكامنها في عصر متأخر أو تحتفظ بسريتها فترة من الزمن حتى يختتم العصر الذي صدرت فيه ويختتم آثاره؛ وتقدر هذه الفترة عادة بخمسين عاماً، تعرض بعدها هذه الوثائق لأنظار البحث والتحقيق؛ وفي دور المحفوظات الأوربية كنوز من الوثائق المختلفة الملوكية والإدارية والدولية التي ترجع أحياناً إلى عصور متأخرة، والتي تلقي أعظم ضوء على تواريخ الأمم الأوربية وعلائقها في مختلف العصور
ولنا في دار المحفوظات النمسوية التي حظينا بالتردد عليها ووقفنا على بعض محتوياتها ونظمها خير مثل لما يمكن أن تؤديه المحفوظات المنظمة من خدمات جليلة للبحث والتحقيق؛ فهذه الدار التي يرجع تأسيسها إلى نحو قرنين، والتي تشكل الآن جناحاً كبيراً من دار وزارة الخارجية، تعتبر من أهم مصادر البحث والتحقيق في شئون التاريخ الأوربي منذ القرن الرابع عشر؛ ويطلق على الدار اسم (محفوظات الأسرة والبلاط والدولة) , - دلالة على صفتها الشاملة، فهي مستودع محفوظات الأسرة أعني أسرة آل هبسبرج، ومحفوظات البلاط، ومحفوظات الحكومة والدولة، وبها مجموعات هامة من الوثائق الملوكية والسياسية والإدارية والدولية، وبها على الأخص طائفة كبيرة من الوثائق السرية التي تتعلق بأعمال المجلس السري أو مجلس البلاط الخاص، وقد نظمت محتوياتها في مراحل متعاقبة تشمل جميع عصور التاريخ النمسوي والتاريخ الأوربي العام حتى سقوط الإمبراطورية النمسوية في سنة ١٩١٨، ويرجع أقدم أقسامها إلى عصر القيصر فرديناند الأول في أوائل القرن السادس عشر، وتشمل الوثائق السياسية والدينية والإدارية والعسكرية عصور التاريخ الإمبراطوري حتى سقوط الإمبراطورية الرومانية المقدسة في سنة ١٨٠٦؛ وأهم أقسامها بلا ريب هو مجموعة وثائق مجلس الدولة السري ومجلس البلاط الخاص، والمجلس الاستشاري، وهي الهيئات الثلاث التي كانت تشرف منذ أواخر