وإذا كانت محتويات هذه الدار لم تعرف بعد بطريق الحصر الدقيق؛ فإنه لا ريب أن هذه الأكداس المبعثرة من الأوراق والوثائق التي تغص بها أركانها وجنباتها، تضم كثيراً من الوثائق التاريخية والسياسية والإدارية الهامة ولاسيما في أواخر العصر التركي وعصر محمد علي؛ وإنا لنذكر بهذه المناسبة أن المغفور له الملك فؤاد الأول كان قد اهتم بأمر هذه المجموعة منذ أعوام، وندب لها بعض الموظفين الذين يعرفون التركية لنقل ما فيها من الوثائق التركية إلى العربية، ولسنا نعرف ماذا تم في أمرها بعد، وهل حققت أمنية الملك الراحل على نحو مرضي، وهل بدأ القائمون بأمر هذه الدار بتنظيمها وحصر ما فيها في سجلات منظمة تدل على ما فيها؛ ذلك أن الوقت قد حان لأن يكون لنا دار محفوظات منظمة على أمثال دور المحفوظات الحديثة، تصنف محتوياتها بأسلوب علمي طبق العصور والموضوعات، وتحمل إليها أشتات الوثائق والأوراق القديمة المبعثرة في مختلف المصالح والجهات، وتعرض محتوياتها لأنظار الباحثين والمحققين، تمدهم بمواد وحقائق جديدة تؤيدها الأدلة والوثائق التي لا ريب في صحتها
ونحن نعرف أن دار الكتب المصرية تضم طائفة كبيرة من أوراق البردي ومن الوثائق التاريخية، ومنها أعلام شرعية وحجج أوقاف ومراسيم إدارية قديمة وغيرها، وقد عهدت دار الكتب أخيراً إلى أحد العلماء الأجانب بتنظيم مجموعتها من أوراق البردي وتنظيمها وتصنيفها في كتاب خاص؛ وأما الوثائق الأخرى فهي مبعثرة في فهارسها لا تجمعها رابطة ما؛ كذلك يوجد في محفوظات وزارة الأوقاف، والمحكمة الشرعية العليا، وبعض المصالح الحكومية الأخرى أوراق ووثائق تاريخية قديمة في غاية الأهمية، وهذه كلها مهملة تبلى في ظلمات الأروقة الرطبة، ولا يكاد ينتفع أحد بمراجعتها إلا في ظروف شخصية نادرة. فمن الواجب أن تجمع هذه الأشتات كلها في دار محفوظات عامة تكون مرجع البحث العام؛ ومن المحقق أننا سنظفر من ذلك بتراث جليل، لا يقل في أهميته ونفاسته من الناحية القومية عما تحتفظ به دور المحفوظات العامة في الأمم الأخرى
لقد نشأت دار الكتب المصرية في ظروف متواضعة، وبدأت بثروة أدبية قليلة حملت إليها من بعض المساجد والمجموعات الخاصة؛ وهاهي ذي اليوم ولما يمض على إنشائها نحو نصف قرن تغص بتراثها الزاخر من مخطوط ومطبوع، وتتبوأ مكانة بين دور الكتب