كان القضاة في زمن الفراعنة من القسس المتخرجين في مدارس التشريع في معابد منفيس وطيبة وآن (أو عين شمس) وكانت المحكمة الكبرى بمدينة طيبة تؤلف من ثلاثين قاضياً يختارون من فطاحل الكهنة المتضلعين في المسائل القانونية، بنسبة عشرة عن كل مدينة من تلك المدن الثلاث، وأعطيت الرياسة لأكبرهم سناً، كما منح الرئيس مرتباً أكبر من بقية إخوانه القضاة. وكان على معبد المدينة الذي ينتخب الرئيس منه أن يرسل إلى المحكمة بقاض آخر حتى يصير عدد القضاة في المحكمة بما فيهم الرئيس واحداً وثلاثين قاضياً. وكان رئيس المحكمة الكبرى إذا جلس للحكم بين الناس يضع في عنقه سلسلة ذهبية معلقاً بطرفها حجر كريم على شكل تمثال إله العدل (ما) أو (معت)؛ وكان يدير هذا التمثال على الأعضاء عندما يدلي كل برأيه، فإذا تم ذلك نطق الرئيس بالحكم. وكانت توضع على منصة القضاء أثناء انعقاد الجلسات ثمانية مجلدات ضخام تحوي كل القوانين المصرية القديمة
وكانوا ينتخبون قضاتهم ممن وسعت تجاربهم وعظمت معلوماتهم الدينية والدنيوية وكثرت ثقافتهم العلمية، وكانت أحكامهم محترمة ونافذة. أما مرتبات القضاة فكانت تصرف لهم من خزينة الملك وقد كثرت أنواع المحاكم عندهم بحسب اختصاصها فوجدت المحاكم الأسرية أو المنزلية التي كانت لا تتناول إلا المسائل البسيطة، وكان قاضيها رئيس الأسرة الذي خول السلطة التأديبية على جميع أفرادها. وكما وجدت المحاكم المدنية عند قدماء المصريين ذات الدرجات الثلاث: جزئية بالقرى والمدن، وابتدائية بعواصم الأقاليم، واستئنافية بعاصمة الدولة، كذلك وجدت المحاكم العسكرية والقضاء الإداري الذي كان يصل بين الأفراد والجهة الإدارية كالمنازعات التي تقع بين دافعي الضرائب وبين الموظفين المكلفين بجبايتها. كذلك وجد القضاء الجنائي بنوعيه العادي الذي يفصل في قضايا الأفراد، وغير العادي الذي ينظر في الجرائم التي تمس الملك أو الدولة بصفة عامة؛ وكانت تتولاه المحكمة الخاصة، وكان يدخل ضمن تشكيلها نفر من رجال الجيش. وكان القضاء الجنائي العادي على درجتين: الدرجة الأولى محكمة المدينة أو محكمة الإقليم وتستأنف أحكامها أمام الملك أو مجلس الملك الخاص كما وجدت محاكم دينية لتحرير العبيد منذ الأسرة الحادية والعشرين، فكان إذا ظلم السيد عبداً له لجأ العبد لمعبد من المعابد