(كونفيشيوس) ولكن الذي حطم قلبه في هذه الشيخوخة هو أنه رأى بعينيه الفانيتين موت ابنه الوحيد وتلميذيه المختارين (هُوِي) و (تسيه - لو). فلما حلت به هذه الكارثة أحالت الدنيا في نظره ظلاماً، ولكنها لم تقعده عن واجبه في الحياة، فكرس الشهور الأخيرة من حياته لجمع ونسخ الكتب القديمة المقدسة التي أشرنا إليها في حديثنا عن مصادر الفلسفة الصينية
وأخيراً هوى هذا الكوكب في اليوم الحادي عشر من الشهر الرابع من سنة ٤٧٨ قبل المسيح بعد مرض لم يدم إلا أحد عشر يوماً
كونفيشيوس وجد حقاً
كتب أحد المؤلفين الإنجليز وهو:(هـ. ج. ألين) كتاباً سخيفاً بعنوان (كونفيشيوس أسطورة) عانى فيه عَرَقَ القِرْبة كما يقول العرب لإنكار (كونفيشيوس) ومحاولة تصويره في صورة الأساطير الخيالية. ولست أحب أن أرد على هذا المتعالم الإنجليزي بأحسن من تعليق الأستاذ (زانكير) الذي اقتطف منه ما يلي: (في ذلك العصر المحزن أي الربع الأخير من القرن التاسع عشر الذي كان الناس يظنون فيه أن العلم ينحصر في الإنكار والشك في الحوادث والشخصيات التاريخية الثابتة، فأنكروا (لاهو - تسيه) و (بوذا) والمسيح. في ذلك العصر الأسيف هب إنجليزي خامل، بنية إنشاء الضجيج حول اسمه الذي لولا هذا الإنكار لما ذكره أحد، فزعم أن (كونفيشيوس) أسطورة من الأساطير، ولكن إذا كان ينبغي لنا أن نشك في وجود حكيم (تو) فلست أدري لماذا نحن نؤمن بوجود (سقراط) و (يوليوس قيصر) و (شارلمان) بل، ولكي لا ننسى الإنجليز في ردنا نقول لهذا الزاعم أيضاً: وكذلك يجب أن نؤمن بوجود (غليوم الفاتح)، وأظن أنه ليس لدينا من الأسباب ما يحملنا على إنكار واحد من هؤلاء
ولكن لحسن الحظ قد بدأ العقلاء يعدلون عن النظر إلى هذا النوع من العلم نظرة جدية
أما الذي لا يقبل الريبة بحال: فهو أن (كونفيشيوس) - بالرغم من قلة مصادرنا العلمية عنه - قد وجد وجوداً حقيقياً لأن تلاميذه ومعاصريه قد أعطونا عنه صوراً مادية وأخلاقية أمينة