للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن أهم ما اشتهر به هذا الحكيم من أخلاق سامية هو الهدوء الذي لا حد له؛ إذ حدثنا تلاميذه أنه لا الظلم المروع، ولا الألم المبرح، ولا الخطر المميت، كانت تهزه أو تحدث في نفسه أقل اضطراب. ومن هذه الأخلاق أيضاً ما يروونه لنا عن وداعته الفائقة، وتواضعه المنقطع النظير الذي يصفه لنا هو شخصياً فيقول: (كيف أستطيع أن أشبه نفعي بالحكيم أو بالرجل الذي يعمل للفضيلة؟! إن كل ما أستطيع أن أقوله عن نفسي: هو أنني أقهرها على محاولة مساواتهما بدون ملل، وعلى تعليم الآخرين دون انفكاك)

ومع ذلك فقد كان عنده ثقة عظيمة في نفسه وفي رسالته الأخلاقية، غير أنه كما أن تواضعه لم يهنه أمام من هم أقوى منه، كذلك ثقته بنفسه لم تدفعه إلى الكبرياء على من هم دونه

ومن محامده الجليلة أنه لم يسمح يوماً لعاطفته أن تتعدى حدودها المرسومة لها في أي ناحية من نواحي حياته العلمية أو العقلية حتى قيل عنه: إن التفكير العاطفي لم يجد له مكاناً قط بين تعقلاته. وقد كان هذا القول حقاً إذ أنه حين سأله تلاميذه عن رأيه في حكمة (لاهو - تسيه) القائلة: (أحبوا أعداءكم كما تحبون أصدقاءكم) أجاب بقوله: (إذا أحببتم أعداءكم وكافأتم بغضهم إياكم بحب من جانبكم، فبماذا إذاً تكافئون حب أصدقائكم؟ كلا، بل أجيبوا على البغض بالعدل وعلى الحب بالحب)

ولكن ليس معنى هذا أنه كان جافاً محروماً كل عاطفة نبيلة، كلا، لأنه كان يحمل بين جنبيه قلباً يفيض بالعطف على أصدقائه وتلاميذه، وبالحب الحار لوطنه، وبالإشفاق القوي على الضعفاء

(يتبع)

محمد غلاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>