وترجم له أبو منصور عبد الملك الثعالبي في الجزء الأول من كتابه يتيمة الدهر فقال: (هو أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي من أهل نصيبين نجم الآفاق، وشمامة الشام والعراق، وظرف الظرف، وينبوع اللطف، وأحد أفراد الدهر في النظم والنثر، له كلام بل مدام بل نظام من الياقوت بل حب الغمام. . .) إلى آخر ما نعته به من أوصاف
أما سبب تلقيبه بالببغاء فلثغة كانت مدار أحاديث طريفة ومحاورات ظريفة بينه وبين صديقه أبي اسحق الصابي نورد بعضها لأن في قصصها متعة ولذة. رُوي أن كلاً من أبي الفرج الببغاء وأبي اسحق الصابي كان يشتاق رؤية صاحبه ويتلهف على اللقاء به ويتمنى أن يجتمع به بأي ثمن؛ وكانا يتكاتبان دون تلاق فتعارفت رسائلهما قبل تعارف شخصيهما. واتفق أن قدم أبو الفرج بغداد، فكان أول ما يهمه أن يبحث عن صديقه فإذا هو معتقل، فزاره في محبسه ولم يُثنِّ زيارته، فعتب عليه الصابي بقصيدة منها:
أبا الفرج اسلم وابق وانعم ولا تزل ... يزيدك صرف الدهر حظٍّا إذا نقص
مضى زمن تستام وصلي غالياً ... فأرخصته والبيع غال ومرتخص
وآنستني في محبسي بزيارة ... شفت كمداً من صاحب لك قد خلص
ولكنها كانت كحسوة طائر ... فواقاً كما يستفرص السارق الفرص
وأحسبك استوحشت من ضيق محبس ... وأوجستِ خوفاً من تذكرك القفص
فأجابه الببغاء دون ريث مع رسوله:
أيا ماجداً مذ يمّم المجد ما نكص ... وبدر تمام مذ تكامل ما نقص
تقنصت بالألطاف شكري ولم أكن ... علمت بأن الحرَّ بالبرد يقتنص
وصادفت أدنى فرصة فانتهزتها ... بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص
فإن كنت بالبَبْغاء قدما ملقبا ... فكم لقب بالجور لا العدل مخترص
وبعد فما أخشى تقنص جارح ... وقلبك لي وكر ورأيك لي قفص
فأنهي الحديث إلى عضد الدولة غريم الصابي فأعجب به وكان سبباً من أسباب العفو عن الصابي وإطلاقه، فرأى أن يكون أول ما ينشده وصف الببغاء وذكر محاسنه والتلميح بفضل أبي الفرج وذكائه فأرسل أرجوزة منها:
ألفتها صبيحة مليحه ... ناطقة باللغة الفصيحهْ