من خديه، وأخذ قلبه يخفق ويضطرب اضطراباً شديداً. . . ذلك لأنه ذكر تلك النبوءة التي تنبأ له بها أحد سحرائه، والتي حذرته من الشاب الذي يقبل من بلاد بعيدة لابساً نعلاً ذهبيةً واحدةً في إحدى قدميه في حين يكون هو مشغولاً بتقريب القرابين للآلهة!! إن هذا الشاب يقتله!!
وأمر حراسه بالقبض على الفتى وإحضاره إلى غرفة العرش فجيء به إليها، ولم ينتظر جاسون حتى يبدأه عمه بالكلام، بل وقف أمامه جباراً يغلي الدم في عروقه، وطلب إليه أن يعتزل الملك، ويخلع التاج، ويعطي الصولجان صاحبه، وأن يعيد الحق إلى نصابه. . . (لأنك انتهزت ضعف أبي الذي أوهن منه عظامه، واشتعل رأسه شيباً. فعَتَوْتَ عليه، وألبت عليه الأوشاب من مرتزقة الجند، ورعاع الشحاذين والأفاقيين، فلبست تاجاً ليس لك، واستويت على عرش تزعزعه الجريمة من تحتك، ثم حاولت أن ترشو الآلهة وتخدع السناء بالأضحيات والقرابين، ولكنك لا تخدع إلا نفسك فالتمس لها السلامة من موت يبغتك، ومغبة وبال يحيط بك. . .)
وكان بلياس يسمع هذه الكلمات الثائرة كأنها سهام تملأ أذنيه، ومنايا تطير حول قلبه. . . بيد أنه استعد لها بالمكر، وتهيأ لصيدها بالخدعة، فتبسم لابن أخيه وقال:(ماذا تقول يا جاسون؟ أتحسبني يا بني قد سلبت أباك عرشه، وغلبته على صولجانه؟؟ كلا والله يا بني كلا. . . ولكن. . . ليسكن طائرك قبل كل شئ. . . فلقد دعوت نفراً من (رعاياك!) لوليمة إلهية، وقد أقبلوا من كل فج، وهم ينتظروننا الآن، وليس من حسن الرعاية ولا من مروءة الملوك أن يستأنوا عن مواعيدهم، فهلم تلقهم يا جاسون، وترحب بهم، فإذا فرغنا وفرغوا من طعامهم، عدنا سوية لنبحث هذا الأمر الذي أهمك وأقلقك، وملأ فؤادك بالوساوس والأراجيف؛ وسترى أن الذي أنبأك هذا النبأ زخرفه عليك، وشوه حقيقته في نفسك، بدليل هذه النيران التي تنقذف كلمات من فمك!! تعال. . . مرحباً بابن أخي جاسون! لشد ما أنا مشتاق إليك يا حبيبي!)
ثم قبله في جبينه قبلة صفراء قاتلة، أفتك من قبل التماسيح؛ وانطلقا إلى البهو الكبير، حيث صُفّت الأخاوين الحافلة بأشهى الآكال وأطيب الأشربات، وحيث جلس المدعوون إليها صفوفاً وصفوفاً وألوفاً وألوفاً. . .