الفتاة المسكينة هِلّه تحتها لترى ما هنالك، ولكنها فزعت فزعاً شديداً حينما رأت سراطين البحر وحلازينه تقتل وتحترب ويأكل بعضها بعضاً، فارتجفت رجفة هائلة، وانفلت صوف الفروة من قبضتها فسقطت من عَل وجعلت تهوي حتى تردّت في البحر وابتلعتها أمواجه. . . ومنذ ذلك الوقت، وهذا المكان يعرف من أجل ذلك باسم (الهلسينت) نسبة إلى الفتاة البائسة هِلّه! ومضى الكبش يستبق الريح، ويطوي العوالم، حتى وصل إلى مملكة كولخيس، فهبط قليلاً قليلاً، حتى إذا كان على الأرض نزل الفتى فركسوس فصلى للآلهة، وذرف الدمع على أخته، وسلم على الملك الذي هش له وبش، وأحسن لُقياه وأكرم مثواه، ثم شحذ سكينه وتلّ الكبش لجبينه، وكبر وسبح باسم جوف، وبأسماء آلهة السماء وجزر الحيوان قرباناً لهم جميعاً. . . وسلخ الجلدة الذهبية وقدمها هدية للملك الذي فرح بها فرحاً شديد، ولأنها كانت تعدل كل ما في كنوز الملوك من ذهب. . . وقد ربطها الملك في سنديانة باسقة، ووكل بها تنيناً هائلاً ليحرسها وليسهر عليها من كل سارق رجيم. . . ومنذ ذلك اليوم والفروة التي تعدل ألف كنز معلقة لا تمتد إليها يد، ولا يجسر أحد أن يقترب منها وإلا جازف بنفسه وأصبح لقمة سائغة للتنين. . .)
ولحظ بلياس كيف زاغت عينا جاسون عندما سكت المنشد، فانتهز الفرصة، وانطلق يغريه بالاستيلاء على الفروة الذهبية، ليكون بها أعز الملوك وأضخمهم غنى، وأوفرهم ثراء؛ ثم ليخلد اسمه بين أسماء الأبطال الذين دوخوا الممالك، وأتوا من الفعال ما جعلهم أنشودة المجد في فم الزمان. . . (ولم لا يا ابن أخي؟ لقد علمت أن أستاذك الذي نشأك، وهذبك وأدبك، هو شيرون السنتور الأكبر، أستاذ أخيل العظيم؛ وقد خلد أخيل اسمه على أسوار طروادة، وأعلى ذكره في جميع الأنام، فلم لا تذهب إلى كولخيس لتحصل على الفروة الذهبية إما سَلْماً وإما حرباً، وأنت من أنت في أبطال الوغى، وصناديد الحروب؟ ألست أرمى الناس لسهم، وأضربهم بسيف، وأحذقهم طعاناً برماح؟ إنها فرصة المجد لمن يبتغي المجد يا جاسون، فلا تضعها! لا تقل (بل حسبي أن أحكم الناس) فالناس يعشقون أشجع الناس. . .) وهكذا طفق بلياس المخادع يزخرف للفتى، حتى هاج في صدره الشاب نائم المنى وأبعد الآمال. . . فرضي جاسون بالاضطلاع بهذه المجازفة، وظن أنها من اليسر بحيث لا تستعصي على شجاعته. بيد أنه عندما خلا إلى نفسه، وراح يفكر في الوسيلة