بيد أنه يوجد في المعترك الدولي الحاضر عامل جوهري آخر لم يعرفه العالم قبل الحرب الكبرى؛ وذلك هو الخصومة المضطرمة بين جبهتين مختلفتين من النظم والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فالنضال بين الفاشيستية والديموقراطية يشغل اليوم فراغاً كبيراً في المعترك الدولي، ويثير أزمات دولية خطيرة تنذر بتقويض صرح السلم بين آونة وأخرى. والفاشيستية تذكي الأحقاد القومية والجنسية بصورة عنيفة تثير أعصاب الأمم المختلفة وتحول دون تفاهمها، وتعمل بكل ما وسعت لتمزيق العهود الدولية، وتدعيم نظرية القوة الغاشمة، وجعل الحرب هي المثل الأعلى للأمم؛ وهي بذلك تحمل أكبر تبعة في خلق الأزمة الدولية الحاضرة، وإثارة القلق الذي يساور جميع الأمم، وتكدير جو السلام، والتمهيد بحركاتها وتهديداتها العسكرية لجر حرب جديدة تبدو نذرها في الأفق حيناً بعد حين
هذه الصورة المضطربة المروعة لأحوال العالم رسمها الرئيس روزفلت في خطابه الذي ألقاه أخيراً في شيكاغو وحمل فيه على (نظم الإرهاب والانتهاك) التي فرضتها بعض الحكومات على العالم منذ بضعة أعوام، وعلى تدخل هذه الحكومات تدخلاً غير مشروع في الشئون الداخلية لبعض الأمم الأخرى؛ وعلى غزو الأراضي الأجنبية انتهاكاً للمعاهدات والعهود الدولية؛ وتساءل الرئيس روزفلت: كيف يقال إننا في أوقات سلم والغواصات تتربص بالسفن الآمنة فتغرقها دون سبب ودون إنذار، والقنابل تلقى على المسالمين الآمنين ومنهم نساء وأطفال أبرياء دون حرب ودون مبرر من أي نوع. هنالك أمم تزعم أنها تطلب الحرية وتقدسها ولكنها تنكرها على الأمم الأخرى؛ وهنالك شعوب بريئة تضحي لتحقيق شهوة سلطان وسيادة لا تبررها أي عدالة أو أي اعتبار إنساني؛ ومع ذلك فإن هؤلاء الذين يلعبون بالنار ويعملون على تكدير السلم لا يبلغون في رأي الرئيس روزفلت أكثر من عشرة في المائة من مجموع شعوب العالم. وأما التسعون في المائة الباقية فهي شعوب ترغب في السلام، وتستطيع بل يجب عليها أن تجد الوسيلة لكي تحقق رغبتها في صون السلام، وأنه يستحيل عندئذ على أية أمة مسالمة أن تلوذ بالعزلة والحياد من حالة الفوضى والاضطراب الدولي التي يخلقها انتهاك الحقوق
وصوت الرئيس روزفلت هو صوت الأمم الديموقراطية؛ والدول التي يعنيها، وهي