المنتهكة للحقوق والمعاهدات، المقدمة على تكدير السلم وعلى الفتك بالآمنين والمسالمين، هي الدول الفاشستية والاستعمارية، أو بعبارة أخرى هي ألمانيا وإيطاليا واليابان؛ ولكن الديموقراطية أبدت في الأعوام الأخيرة كثيراً من ضروب الضعف والتردد، وبالغت في التمسك بالألفاظ والوعود، ولم تحاول أن تؤيد كلمتها بوسائل فعالة إزاء العابثين بالحقوق والمنتهكين لحريات الأمم؛ واستطاع هؤلاء بما رأوا من أحجام الدول الديموقراطية وتخاذلها أن يقدموا على تنفيذ مشاريعهم بجرأة لا مثيل لها؛ فقد ذهبت الحبشة ضحية لتهاون الديموقراطية ووعودها الخلابة، واستولت عليها إيطاليا في غمر النار والدم بينما كانت عصبة الأمم والدول الديموقراطية من حولها تردد أنشودة الحق والمعاهدات والعقوبات الاقتصادية؛ وذهبت أسبانيا الجمهورية فريسة الدسائس الفاشستية وما زالت تعاني أكثر من عام أهوال حرب أهلية لم تقصدها، ولم يثر ضرامها ويمدها بالوقود سوى أولئك الذين يرون أن يشقوا إلى أطماعهم طريق النار والدم؛ وهاهي ذي اليابان تتوغل في الصين وتثخن في جنباتها وتفني جيوشها وشعوبها دون إعلان حرب ودون مبرر سوى ما ترمي إليه من تحقيق شهوتها الاستعمارية؛ كل ذلك والدول الديموقراطية تقنع بالاحتجاجات اللفظية وعقد لجان عدم التدخل والمؤتمرات التي لا طائل تحتها
والخلاصة أن الفاشستية المضطرمة تجيش بمشاريعها وتعمل لتحقيق شهوتها في الاستعمار والسيادة غير مكترثة لما تهدد به سلام العالم من الأزمات والأخطار؛ ذلك أنها لا ترى أمامها سوى طريق العنف والدم؛ والديموقراطية من جانبها تلوذ بالأحجام والمطاولة وتؤثر التراجع على الاصطدام الخطر؛ ذلك أنها ترغب عن الحرب وتفتدي سلامها بكل ما وسعت؛ ولكن النضال يصل اليوم إلى ذروته، ولابد أن تضطر الديموقراطية عاجلاً إلى العمل إذا لم ترد أن تفلت القيادة من يدها وتغدو تحت رحمة الفاشستية المتوثبة. فماذا يكون مصير السلام يومئذ؟ وهل يؤدي الاصطدام إلى الانفجار الخطر، أم تستطيع الديموقراطية بما تملك من وسائل الضغط المادي والمعنوي أن تقف هذا التيار المتوثب في الوقت المناسب فتنقذ بذلك سلامها وسلام العالم؟ يقول لنا العلامة فيريرو، وهو من ثقات التاريخ والسياسة: إن ما تعانيه أوربا الآن من الاضطراب والفوضى يشبه ما عانته منهما على أثر عقد معاهدة فينا عقب سقوط نابوليون؛ ومعاهدة فرساي تشبه معاهدة فينا في فساد الأسس