الحديث وغيره من العلوم الدينية، وقد ذكر صاحب الأغاني بعض رواياته في الحديث فليرجع إليها من يريدها
ولم يقصر الكميت نفسه على العلم والأدب، بل كان يأخذ نفسه بقول الشعر والاستماع إليه، ولكن ميله إلى هذا لم يكن يبلغ ميله إلى العلم والأدب. ويحكى أنه وقف وهو صبي على الفرزدق وهو ينشد أشعاره، فراع الفرزدق حسن استماع الكميت وأخذه الزهو والخيلاء، فلما فرغ من إنشاده أقبل على الصبي وقال له: هل أعجبك شعري يا بني؟ فأجاب الكميت: لقد طربت لشعرك طرباً لم أشعر بمثله من قبل، فانتشى الفرزدق، وأخذ العجب منه كل مأخذ، وقال للصبي في نشوة المفتون: أيسرك أني أبوك؟ فقال الكميت: أما أبي فلا أريد به بدلاً، ولكن يسرني أن تكون أمي. فحصر الفرزدق، وقال: ما مر بي مثلها
فلما أتم الكميت دراسته اشتغل بما كان يغلب ميله إليه من العلم والتعليم، فكان يعلم الصبيان بمسجد الكوفة، ولكن عشيرته من بني أسد كانت تريد منه أن يكون شاعرها الذي يعلي من شأنها، وينشر من مفاخرها، وينافح عنها أعداءها، وقد صار الشعر في الدولة المروانية كما كان في الجاهلية مفخرة القبائل العربية فتعلقت به تلك القبائل كما كانت تتعلق به في جاهليتها، فأخذ بنو أسد يرغبون الكميت في قول الشعر، ويحملونه على الانصراف إليه والتفرغ له، ويحكون في ذلك أن عمه وكان رئيس قومه أخذ الكميت يوماً وقال له: يا كميت لم لا تقول الشعر؟ ثم أخذه فأدخله الماء وقال: لا أخرجك منه أو تقول الشعر، فمرت به قنبرة فأنشد متمثلاً:
يالكِ من قُنْبُرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خلا لكِ الجَوُّ فبيضي واصفري
ونَقِّري ما شئت أن تُنَقِّري
فقال له عمه ورحمه: لقد قلت شعراً فاخرج، فقال الكميت لا أخرج أو أقول لنفسي، فما رام حتى عمل قصيدته المشهورة، وهي أول شعره، ثم غدا على عمه فقال: اجمع لي العشيرة ليسمعوا فجمعهم له فأنشد:
طَرِبْتُ وما شوقاً إلى البيض أطْرَبُ ... ولا لعباً منِّي وذو الشوق يلعبُ
وقد طعن الأستاذ زكي مبارك في صحة هذه القصة، وذكر أنه ليس بمعقول أن تكون هذه القصيدة أول شعره، لأن فيها من القوة ما يقطع بأنها ليست بداية شعرية، وإنما هي صرخة