ولا وجه عندي لهذا الطعن في صحة هذه القصة، لأن هذه القصيدة:(طربتُ وما شوقاً إلى البيض أطرَبُ) من قصائد الهاشميات، وقد ثبت من غير هذا الطريق أن هاشمياته على العموم وهذه القصيدة على الخصوص كانت أول ما قاله من الشعر، وواضح أنه لا يراد من هذا إلا أنها أول ما قاله من الشعر الجيد الذي يعتد به، فلا يمنع أن يكون له شعر قبل هذا الشعر ترقى فيه إلى أن وصل إلى درجة هذا الشعر الجيد
فلما أرادته عشيرته أن يكون شاعراً ينافح عنها ويصاول أعداءها، صرف نفسه إلى قول الشعر وتفرغ له حتى أجاد إنشاءه، وكان قد ورث التشيع لأهل البيت عن بيئته بالكوفة التي نشأ فيها، ولم يكن للشيعة في عهده شاعر يتعصب لها وينشر دعوتها كما كان لبني مروان من الشعراء الأخطل وغيره، وكما كان للخوارج الطرماح بن حكيم وعمران بن حطان، فرأى أن يكون هو شاعر الشيعة وناصر دعوتها، والمشيد بذكر أهل البيت والناشر لفضلهم
وقد كانت الشيعة في ذلك الوقت تعادي بني مروان والخوارج معاً؛ ولكن العداوة بين الشيعة والخوارج لم تكن تبلغ درجة العداوة بينها وبين بني مروان، لأن الخوارج كانوا قد اشتغلوا بعداوة بني مروان بعد أن صار لهم الأمر، وتناسوا عداوتهم للشيعة بعد انصراف الأمر عنهم، فاشترك كل من الشيعة والخوارج في مناهضة الدولة المروانية، ومناوأتها بسيوفهم وألسنتهم، وكان اشتراكهم في معارضة هذه الدولة سبباً في تخفيف ما بينهم من العداوة
ولهذا كان تعصب الكميت في شعره للشيعة موجهاً إلى بني مروان وحدهم، ولا يدخل في أولئك الخوارج الذين لقي الشيعة منهم ما لقوا في عهد علي رضي الله عنه، بل لم يمنع ذلك التعصب الكميت من إخلاص المودة للطرماح بن حكيم من شعراء الخوارج، فقد كان بينهما من الخلطة والمودة والصفاء ما لم يكن بين اثنين، حتى إن راوية الكميت قال: أنشدت الكميت قول الطرماح: