الصينية، بل المدنية العالمية؛ إذ هو الذي أنشأ السياسة الصينية القيمة، وهو الذي وضع قواعد أخلاق الأسرة على الأسس الفلسفية المحترمة، وهو الذي قسم الفلسفة العملية إلى فروعها الثلاثة: الأخلاق الشخصية، وتدبير المنزل، وسياسة الدولة أو المدينة الفاضلة؛ فسبق بذلك أرسطو وأفلاطون كما سنشير إليه حين نعرض لأخلاقه النظرية. وليس هذا فحسب، بل هو الذي رفع علم التاريخ في الصين إلى مصاف العلوم الأخرى عند الأمم الراقية، وهو أول من أناروا سبيل علم المنطق للذين أتوا بعده فزادوا عليه ما جعله قميناً بالاحترام والإجلال
غير أنه على الرغم من ذلك كله لم يصادف في حياته نجاحاً باهراً كما أسلفنا. والسبب في ذلك الإخفاق هو أخلاقه المتينة التي لم تسمح له أن يتملق أعظم الملوك والأمراء مرة واحدة في حياته، ولا أن يحني رأسه إلا للحق وحده، فضايقت هذه الأخلاق القويمة المبطلين من الطغاة والمتجبرين. وكانت نتيجة ذلك أن ربح فيلسوفنا الفضيلة وخسر الحياة المادية
على أن الشعب لم يلبث أن تنبه إلى حكمة (كونفيشيوس) الخالدة القائلة: (إن الجوهر الأساسي العملي للشعب يجب أن يكون هو الأخلاق، وإن سياسية الدولة لا تنجح نجاحاً حقيقياً إلا إذا أسست على الأخلاق)
لما تنبه الشعب إلى هذه الحكمة وآمن بها وأخذ يطبقها تطبيقاً عملياً دقيقاً أخذت أحواله العامة تتحسن شيئاً فشيئاً حتى بلغت الأوج. والفضل في ذلك كله راجع إلى التماسك الأخلاقي الذي وضع هذا الحكيم بذوره في تعاليمه القيمة الجليلة