تسيه) فاستبعد صدور هذه الآراء عن (كونفيشيوس)، ولكن هذا خطأ بحت، لأن (كونفيشيوس) ليس مادياً جافاً ولا نفعياً أثراً، وإنما هو حكيم جليل قمين بأسمى الأخلاق
وأما الكتاب الرابع فهو مجموعة كتب (مانسيوس) السبعة التي سنعرض لها عند حديثنا عن هذا الفيلسوف
منهجه وتأثيره
يشبه منهج (كونفيشيوس) منهج (سقراط) كثيراً، إذ هو يحاول أن يرشد تلاميذه إلى الحقيقة، ولكن لا عن طريق التقليد والتحفيظ، بل عن طريق البحث الشخصي الذي يتدرج من المحسات إلى المعقولات، ويصعد من الماديات إلى المعنويات؛ فتارة يلمح إلى البرهان الحق تلميحاً خفياً، وأخرى يشير إلى تناقض الباطل إشارة غامضة ثم يقود التلاميذ في طريق المحاورة قيادة منطقية محكمة إلى أن يعثروا على الحق بأنفسهم أو يهدموا الباطل بمجهوداتهم الشخصية المراقبة بإرشاد الأستاذ. وفي هذا يقول:(أنا لا أعلِّم من لا يشتهي أن يفهم، ولا أساعد على الكلام من لا يحاول أن يوضّح أفكاره)
ومن منهجه أيضاً أنه كان يضع أمام تلاميذه مُثُلاً حية من أخلاق الحكماء والملوك السابقين أو من المأثورات الدينية العالية أو القصائد الشعرية المفعمة بالفضيلة أو الحوادث التاريخية التي تصلح لأن تتخذ نماذج للسمو والنبل، وكان يسلك هذا المنهج في تعليم تلاميذه الفلسفة والأدب والفن والأخلاق
ويروي المؤرخون أن تلاميذ هذا الحكيم الذين استفادوا من منهجه بلغ عددهم في حياته ثلاثة آلاف تلميذ، وأن عدداً كبيراً من بين هؤلاء التلاميذ شغلوا في الدولة مناصب هامة وأنهم كانوا العنصر الأساسي للعلماء والأدباء الذين حكموا الصين أكثر من ألفي سنة، لأن (كونفيشيوس) قد أحسن تأديبهم فلم يخلق فيهم الميل إلى الانزواء واليأس، وإنما بث في نفوسهم روح الإصلاح والانتصار والسيادة، ولهذا لم تكن حلقات دروسه مقصورة على التلاميذ، بل كانت تضم بينها عدداً ضخما من كبار النبلاء والأرستوقراطيين الذين وجدوا فيه أكبر محقق لعظمة الصين المنشودة فدفعتهم وطنيتهم إلى الاغتراف من نمير علمه الصافي وإلى محاكاة أخلاقه السامية النبيلة
وفي الحق أن كونفيشيوس يجب أن يعد في طليعة أفذاذ الرجال الذين خلقوا المدنية