قال العلامة ماكولي في مقالته عن ملتون: ألم تسمع قط بتأثير الشعر السحري وبتياره الكهربائي العنيف؟ ألم تسمع قط بالأسلوب الرائع الذي يقيد عليك مشاعرك ويهز منك جميع أوتار حسك؟ أما سمعت قط بالشعر الذي يأسر القلب، ويذيب العاطفة؟ إن هذه الصفات جميعها إن هي إلا من مدلولات شعر ملتون وأسلوبه. . . لم يكن ملتون بارعاً في ابتكار المعاني، إلا أنه كان كثيراً ما كان يتناول المعاني المبتذلة الشائعة فيسبكها في قالب لفظي متين يزيد في روعتها وجمالها ويجعل منها أفكاراً سامية تسحر العقل وتذهب اللبّ. على أنك لو بدلت كيفية صياغتها اللفظية، أو حوَّرت ولو قليلا أسلوبها الذي صيغت به لما كان لها أي أثر في نفسك أو تقدير في قياسك
خاتمة حياته وموته
لقد عاش ملتون وهو في عنفوان الشباب عيشة مترفة رخية، شأن أبناء ذوي اليسر والجاه، ولكن الدهر أبى ألا أن يقلب له ظهر المجن، ويجرعه كأس الشقاء المرة حتى الثمالة. ففي عام ١٦٥٢ غشيت إحدى عينيه، ثم ابتدأت المصائب تنثال عليه بغير حساب، فقد شُرد وطُرد وغرم في أمواله وأملاكه ثم أصيب بداء النقرس. ونفي خارج وطنه وأهله أكثر من مرة. وأخيراً عزل من منصبه السياسي الذي كان يتبلغ براتبه. وفي عام ١٦٦٢ فقد عينه الأخرى فتم عماه؛ إلا أن هذه المصائب كلها لم تضع من عنجهيته، ولا فلت من شباة نفسه، بل صادفها وتقبلها بقلب وادع مطمئن وصدر عامر بالإيمان والثقة بالنفس. ولئن كان لها من أثر يذكر في نفسه فذلك أنها شحذت قريحته وأرهفت إحساسه، ووثبت شعوره، وزادته جلداً على الدرس، ومثابرة على الاجتهاد
تزوج ملتون ثلاث زوجات. والراجح أنه لم يكن موفقاً في غرامه ولا سعيداً في زواجه. وقد توفي في شهر نوفمبر عام ١٦٧٤ في مزرعة بنهل تاركاً وراءه زوجه الثالثة، وثلاث بنات. وقد قبر في مقبرة. وبعد وفاته بسنين عديدة أقيم له نصب تذكاري في وست منستر أبي. وهكذا بات ملتون مزملاً بنبوغه وشهرته، تئن رفاته في جدثها من ظلم المنتقصين المغرضين، وغلو المناصرين المفرطين.