القطعة إنما ينفض علينا مكنون طويته ويصور لنا دخيلة نفسيته. وإليك تحرير المعنى في هذه القصيدة:
يذهب أخوان وأختهما إلى حرج عظيم كثيف، فتضل الأخت طريقها في هذا الغاب، فيتركها أخواها هائمة على رأسها تائهة في طريقها، ولا يهتمان ألبتة بما تقاسيه في ذلك الحرج المخيف من مرارة الجوع، وحرارة العطش، وألم الوحدة، ووحشة الغابة التي ترتعد منها الفرائص. ويذهبان بعيداً عنها في جمع ثمر العليقي؛ حتى إذا تضيفت الشمس للمغيب عادا إلى بيتهما تاركين في الغابة القفر أختهما الوحيدة ضحية للألم والجوع، وفريسة للوحوش والسباع
فأنت ترى أن مثل هذا التخيل الفسل المكروه ليس من الحقيقة في شيء، إذ ليس من الممكن للطبع البشريّ مهما أوغل في التحجر والقساوة أن يتصور وقوع مثل هذه المأساة الخيالية الملفقة!!
أما الصونيتس فقد كتبها في فترات متقطعة ومناسبات كثيرة. ويذهب جونسون في نقده لملتون إلى أن - الصونيتس - ليست من الفن الشعري بدرجة تستحق أن توضع في غربال النقد. ولكنها مع ذلك عذبة اللفظ طلية الأسلوب. وفي عام ١٦٤٤ ألف الـ وهي رسالة نقدية دافع فيها عن حرية الطبع والنشر دفاعاً قيماً في وقت بلغ فيه التزمت حداً عظيماً. أما الفردوس المسترجع فقد ألف عام ١٦٧١ وهو يمتاز عن بقية مؤلفاته الشعرية بميزات سامية كثيرة سنوردها في مقالاتنا الآتية التي سنكتبها عنه، وفي ذلك العام أيضاً ألف قصيدة الـ وسنعرض لها أيضاً فيما بعد
أسلوبه
لم يكن أسلوب ملتون على نمط واحد في جميع أشعاره، فقد كان مشرق الديباجة سلس العبارة حيث تكون الفكرة مختمرة في رأسه، والعاطفة متوثبة في صدره، ولكنه حين كان يعتسف النظم كانت تجيء أشعاره ملتوية العبارة، غامضة المعنى، ووعرة الأسلوب
وتدل أشعاره العديدة التي كتبها بخط يده والتي لا تزال محفوظة في مكتبة كلية ترنتي في كمبردج على أنه كان مولعاً بصيد أوابد الكلمات، واستقصاء غريب الألفاظ. ومما تجب الإشارة اكتظاظ أسلوبه بالكلمات اللاتينية المهجورة