بطون التلاميذ لعدم كفايته، فهو يقدم في وجبتين ضئيلتين إحداهما عند الظهر والأخرى في الثامنة مساء. وعلى رغم ذلك استطاع فرانز في فترة الدراسة أن يخرج عدة (نوتات) موسيقية لاشك في أنها كانت تظهر أحسن من ذلك لو أن أساتذته أخذوه بالنظريات الموسيقية التي أهملتها المدرسة في تعليمها وتركت لهذا العبقري الصغير الحرية في الجموح دون أن تصقله بتغذية روحه الفني بالنمو المنتظم المطرد؛ غير أن أخذه الدرس على سالييري فيما بعد - وهو موسيقي مشهور - جعل أسلوبه في هذا الفن ينضج وينمو وينتظم
ولا ننس أنه أتى على شوبير حين من الزمن بعد إتمام الدراسة بهذه المدرسة كان فيه بائساً لأنه عاد إلى قريته واضطر أن يعلم التلاميذ في مدرسة أبيه القروية القراءة والكتابة. ومَن أشد بؤساً من معلم لم يُخلق لمهنة التدريس؟ إلا أنه كان صاحب ذمة فأخلص للعمل الذي ينال عليه أجراً لكنه لا تكاد تنقضي ساعات التدريس حتى كان يهرع إلى داره ويخلو بنفسه في غرفته وقتاً طويلا منكباً على عمله الخاص ملقياً عن نفسه كل حمل خارجي؛ وشوبير الشاب النابغ كان يحمل بين جنبيه عبقرية فذة في فن الموسيقى وتفانياً وإخلاصاً في ميدان الصداقة. هيأ لنفسه أصدقاء عديدين في فترة التعليم وأحاط به أصدقاؤه كما تحيط الهالة بالقمر وكثيراً ما خففوا عنه بؤسه ومتاعبه
ولم يكن قد بلغ الثامنة عشرة عندما ألقي أول (أصواته) الموسيقية بالكنيسة وأعقب ذلك بتلحين قطعة أخرى؛ ثم أنشأ فرقة موسيقية تتكون منه رئيساً ومن أخيه عازفاً على الأرغن ومن موسيقي كان مدير مدرسة الترتيل التي تخرج هو فيها، ومن صديق يغني الأدوار الرئيسية. ونستطيع أن نتصور السرور والإعجاب اللذين لاقى بهما أبوه هذا العبقري الصغير حتى لقد ابتاع له نوعاً من البيانو مشهوراً في ذلك الوقت واستعان على ثمنه بما اقتصده مما حصل عليه بعرق جبينه طوال حياته
وأول فشل صادف شوبير كان وهو في التاسعة عشرة من عمره عندما أنشأت الحكومة مدرسة للموسيقى فيما جاور بلدته والتمس أن يقبل بها مديراً بأجر إن كان واحداً وعشرين جنيهاً فقط في العام الواحد إلا أنه كان يفضل كل ما عدا مهنة التدريس عليها. فلما لم يعين لهذا المركز يئس يأساً شديداً، ولكن الحياة عوضته عن ذلك خيراً، فإن صداقته الجديدة