مرة فحجز شوبير لنفسه أغلى مقعد ليحظى بسماعه، ثم عاد فحجز مقعدين له ولصديقه ودفع هو أجرهما. وعلى هذا النمط من التبذير أضاع نصيبه فيما كان قد ربحه. لم يتزوج شوبير قط؛ وكان إذا سئل في ذلك أجاب بأنه متزوج لموسيقاه
ومنذ بلوغه الثامنة عشرة بدأ يُخرج للعالم تصانيف كثيرة أدهشت كثرتها الموسيقي العادي فكتب في عام واحد ثماني روايات غنائية (أوبرات). وكان ذا ميل إلى الشعر يقرأ منه ما تقع عليه عيناه فيختار منه ما بَعُد غرضه وجَمُل معناه، ثم يلحنه فإذا به كنغمة عذبة من نغمات طير مغرد. ويحكى أنه عاد أصيل يوم أحد إلى داره من نزهة خلوية فقابل أحد أصدقائه في حديقة فندق القرية وأخذا يتسامران، وكان بيد صديقه مجلد لشكسبير يطالعه فانتزعه شوبير منه وتصفحه فوقع نظره على سطر معناه (أنصت واستمع إلى صوت القبرة) وتساءل (لِمَ لا يكون معي الآن ورق لكتابة الأحرف الموسيقية؟) وسرعان ما رسم له صاحبه خطوطاً مهيئاً له طلبته على قائمة حسابه بالفندق وعليها بين ضجة المكان وصخبه خط فرانز الأغنية المشهورة: (أنصت واستمع إلى صوت القبرة) ملحناً إياها. وفي المساء لحن أغنية أخرى من رواية أنطونيو وكليوباترا؛ وكذلك لحن الأغنية المحبوبة (من هي سلفيا؟) وكان في هذا الباب تياراً جارفاً لا يقف عند حد، فلا يقع تحت ناظريه شعر إلا لحنه. وقد قال شومان في ذلك:(إن كل ما لمسه شوبير كان يتحول إلى موسيقى) وقال لِيسْت (يُعد شوبير أعرق شعراء العالم الموسيقيين) ووصفه كتاب سيرته (بأنه ملك كتاب الأغاني) وكلهم محقون في ذلك فإنه أخرج في حياته القصيرة ما يقرب من الستمائة أغنية
وحل وقت هجر فيه شوبير عمله وتركه نسياً منسياً فقد أرسل يوماً مقداراً من مخطوطات أغانيه الجديدة إلى صديق له؛ وحدث أن زاره بعد أسبوعين من ذلك الوقت وكان يعزف على البيانو مغنياً أغنية أعجب بها فرانز فسأله (لمن هذه الأغنية الجميلة؟) فأجابه: (إنها لك!)
وكان شديد الإعجاب بما كتبه فيمور كوبر يدلك على ذلك كتابه لصديقه شوبار: (صديقي شوبار إنني منذ أحد عشر يوماً لم أتذوق طعاماً ولا شراباً لأني طريح الفراش مريض. . . فأشفق عليّ وأنا في هذه الحالة البائسة بزيارتك لي لتقرأ عليّ ما أنا غير مستطيعه. وقد