للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أن المشاهد لدينا هو أن كثيراً من الكائنات تتحرك وتعمل مقودة بالهوى، فلا تنتج هذه الحركات إلا السوء والشر والرذيلة؛ فإذا بحثنا عن علة هذا الانقياد للهوى ألفيناها الحيدة عن هذا الانسجام، فكل خضوع للقانون الطبيعي ينتج الخير والفضيلة والتقدم نحو الكمال، وكل انحراف عن هذا المنهج ينجم عنه الشر والأضطراب، لأن الطبيعة في ذاتها ليس فيها للشر أثر البتة، ولهذا كان أهم واجبات الحكيم هو محاولة رد الانسجام إلى كل جزئية فقدته، فأنتج فقدها إياه الشر والسوء. وعلى أساس هذه النظرية بنى (كونفيشيوس) مذهبه الأخلاقي وأعلن أن الواجب ينحصر في تنفيذ أوامر الطبيعة وتطبيق قوانينها القويمة كما سنشير إلى ذلك فيما بعد.

وعنده أن الإنسان مشتمل على قوتين كالطبيعة سواء بسواء؛ وأن كل الفروق الموجودة بين الأفراد البشرية ناجمة عن تغلب إحدى القوتين على الأخرى، فإذا كانت الغلبة في الإنسان مثلا للقوة الإيجابية المؤثرة، كان ذلك الإنسان حكيما بالمعنى الكامل، وإذا غلبت فيه القوة السلبية كان حكيما عادياً، وهذا النوع الأخير يظل هكذا حتى يتعرض لعواصف الأهواء والشهوات المختلفة، فإذا نجا منها ظل كما كان على الفطرة أي في درجة الحكمة العادية، وإذا غلبه الهوى فحاد به عن صراط الطبيعة السوي نزل من درجة الحكمة العادية إلى درجة العامة الذين يحدثون الشر والسوء

وعنده أن الكمال يتحقق لنوعين من البشر: الأول رجل تبدأ السماء في إلهامه الحقيقة من يوم ميلاده دون مجهود شخصي من جانبه، وهو يحصل في المبدأ على ما يحصل عليه الآخرون في النهاية، وهذا الحكيم الموحى إليه أو (شينج - جين). أما الثاني فهو الحكيم الذي يعمل على كسب الحكمة ببحوثه المتواصلة، ومجهوداته المتتابعة فيحصل على الحقيقة، وبها يصل إلى الكمال، ويسمى هذا الأخير: (كيون - تسيه) وفي هذا الصدد يقول (كونفيشيوس) في كتاب (تايو): (إن البعض يحصلون عليها (أي الحقيقة) عند ميلادهم، أما البعض الآخر فإنهم إما أن يتلقوها عن الغير وإما أن يحصلوا عليها بوساطة مجهوداتهم وأعمالهم الشخصية)

وعنده أن الإنسان الملهم هو ابن السماء الذي يحرس الصراط السوي ويرعاه بفضلها في جميع أحوال الوجود، وهو مشتمل على سر إلهي عظيم. أما الحكيم المكتسب الحكمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>