للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بمجهوداته فهو ابن الأرض الذي حمايته من الهوى والشر موكولة إلى مجهوده الخاص، والذي لا يعتمد في مقاومة ضعفه وفي احتفاظه بانسجامه الطبيعي إلا على نفسه؛ فإذا نجح اقترب من درجة الحكيم الملهم

وعنده أن حكمة وجود الحكيم الموحى إليه هي إذاعة قانون السماء والسهر على تنفيذه وإنقاذ بني الإنسان من الخروج على الصراط السوي، وما ذلك إلى رحمة بهم وإشفاقاً عليهم من الحيدة عن الواجب الذي لا تُنْقَذُ الإنسانية من الدمار والاضطراب إلا بالحرص عليه والاحتفاظ به

مطابقة الأسماء للمسميات، أو التعريفات العامة

لا تزال الأكثرية الغالبة من المثقفين والعلماء في أوروبا تعتقد أن سقراط هو أول حكيم وضع التعريفات العامة كما صرح بذلك أرسطو. وقد كنت أنا أحد أولئك الذين يؤمنون بهذه الفكرة إلى أن درست (كونفيشيوس) في شيء من الدقة، فتبين لي تبيناً يقينياً أن حكماء الصين قد سبقوا حكيم الإغريق إلى هذه الفكرة، وأن لهم فيها نصوصاً قيمة جديرة بالإعجاب، وأن الحكمة التي أعلن سقراط أنها تدفعه إلى هذا التحديد هي نفسها التي وردت في نصوص (كونفيشيوس) وهي الوصول إلى ضبط الأخلاق وتحديد الفضيلة والقبض على الحقيقة عن طريق التطابق المحكم بين الألفاظ والمعاني أو بين الأسماء ومسمياتها، إذ نحن نعلم أن (السوفسطائيين) لم ينجحوا في إفساد الأخلاق العامة في عهد سقراط إلا بوساطة التلاعب بالألفاظ، فلما أراد سقراط أن ينقذ الفضيلة حارب أعداءها بسلاح الدقة والتحديد فتم له ما أراد. وهكذا كان منهج (كونفيشيوس) إذ أيقن أنه لا سبيل إلى تنفيذ الواجب بدقة إلا بوضع جميع الأشياء في نصابها، وأن هذا الوضع لا يتحقق إلا بالتطابق التام بين القوالب ومحتوياتها، أو الألفاظ والمعاني، أو الأسماء والمسميات، وهو في هذا يقول ردّاً على سؤال وجهه إليه أحد تلاميذه قائلا: ماذا كنت تفعل لو أنك عُيِّنْتَ حاكماً على دولة؟ (كنت أبدأ أعمالي بأن أرد إلى كل مسمى اسمه الحقيقي). ولما لم يفهم التلميذ هذا الجواب سأله قائلا: وما معنى هذا؟ فأجاب الفيلسوف بقوله: (إن الحكيم يجب أن يحتاط في تبصر من كل ما لا علم له به، فإذا لم تتفق الأسماء مع مسمياتها بالضبط وقع الخلط في اللغة، وإذا وقع الخلط في اللغة لا ينفذ شيء من أوامر النظام العام، وإذا لم ينفذ شيء من

<<  <  ج:
ص:  >  >>