أوامر النظام العام، أهملت الحشمة واللياقة والانسجام، وإذا أهملت الحشمة واللياقة والانسجام فُقِد توافق العقاب مع الخطأ، وإذا فقد هذا التوافق، أصبح الشعب مضطرباً لا يفرق بين موضع قدميه وموضع يديه. ولهذا يجب على الحكيم أن يضع لكل مسمى اسمه الذي هو له، وأن يعالج كل موجود حسب التعريف الذي وضع له)
ألست ترى معي أيها القارئ أن في هذه النصوص (الكونفيشيوسية) برهاناً ساطعاً على أن حكيم اليونان الأول لم يكن مبدع التعريفات العامة، الجامعة المانعة، ولا أول من قال بالدقة والتحديد؛ ثم ألست توافقني على أن هذه نقطة هامة تضيف إلى ما كشف من مجد الشرق صفحة فخار جديدة، وأنها لهذا جديرة بالعناية والتسجيل كما أن فيها رداً آخر يضاف إلى ردودنا السالفة على أولئك الأذناب المتفيهقين الذين أنكروا على الشرق ميزة التفلسف النظري؟)
مما قدما يتبين أيضاً خطأ بعض الباحثين الأوروبيين الذين سلكوا في مؤلفاتهم سبيل نزع تاج الفلسفة من فوق رأس (كونفيشيوس) وَوَضْعِهِ على رؤوس: (لاهو - تسيه) و (تشوانج - تسيه) و (ميي - تي) وجزموا بأن (كونفيشيوس) لم يكن فيلسوفاً، وإنما كان أخلاقياً، ولم يكن أخلاقياً من النوع العالي، وإنما كان عملياً، بل نفعياً. فأما دعواهم أنه ليس فيلسوفاً فيبطلها ما أسلفناه؛ وأما زعمهم أنه عملي أو نفعي فسندحضه حينما نعرض لدراسة الأخلاق عنده
اعتمد أولئك الباحثون في رميهم (كونفيشيوس) بالخلو من التفلسف النظري على تصريح أثر عنه قال فيه: (إني لم أبتدع شيئاً جديداً، وإنما نقلت تراث الحكماء الأقدمين إلى العصر الذي أعيش فيه). أو (إني لست مساوياً الحكماء، وإنما أنا أحاول التشبه بهم) إلى آخر ما صرح به مما يشبه هذه العبارات ولست أدري كيف يتخذ أولئك الباحثون هذه التصريحات برهاناً على عدم فلسفية (كونفيشيوس) ولا يتخذون أمثالها من كلام سقراط برهاناً على عدم فلسفيته حين نبأته كاهنة (دلفي) بأنه أحكم حكماء الإغريق عامة، فاستكثر ذلك على نفسه وقال:(أنا لست حكيما، ولكني محب للحكمة). فلم عدوا هذا التصريح من جانب سقراط تواضعاً ومن جانب (كونفيشيوس) برهان الخلو من الفلسفة؟؟
نعم إن (كونفيشيوس) أسس مذهبه على نظريات صينية عتيقة ترجع إلى عصر ما قبل