٦ - (. . . وكما ينشأ الكفر أحياناً من عمل العقل الإنساني إذا هو تحكم في الدين، يأتي البغض من هذا العقل بعينه إذا هو تحكم في الحب!)
(الرافعي)
شعر وفلسفة، وحب وكبرياء
أترى صوتي يبلغ إليها وهي في مستشفاها بالشام ذاهلة اللب شاردة الخيال ضائعة الأمل مستطارة القلب؟
أم ترى صوتي يبلغ إليه تحت أطباق الثرى وبيننا ستة أشهر من عمر الزمان كأنها من البعد وانفساح المدى سنوات وسنوات؟
إنه ليخيَّل إليّ أن هذا الحديث الذي أكتبه عنها وعنه هو رسالة من الغيب إلى هذه الحبيبة الواجدة المحزونة، من الحبيب الذي أحبها أعنف الحب وأرَّقه وما تراءى لها مع ذلك في عمره الطويل إلا الرجلَ القاسي الذي حطم قلبها بقسوته وكبريائه، ومات وما تلقت رسالته الأخيرة فنفذت روحُه من أقطار السموات لتمليها عليّ وفيها المعذرة والاستغفار. . .
آه لو تدرين كم كان يحبك أيتها الحبيبة!. . فهل كنت. .؟ ولكن. . . ولكن لا سبيل إلى ما فات. . .!
لقد أحبها جهد الحب ومداه، حبا أضل نفسه وشرّد فكره وسلبه القرار؛ ولكنه حب عجيب، ليس فيه حنين الدم إلى الدم، ولكن حنين الحكمة إلى الحكمة، وهفوة الشعر إلى الشعر، وخلوة الروح إلى الروح في مناجاة طويلة كأنها تسبيح وعبادة؛ وأسرف عليه هذا الحب حتى عاد في غمراته خلقاً بلا إرادة، فليس له من دنياه إلا هي، وليس له من نفسه إلا ما تهب له من نفسه!
والرافعي رجل - كان - له ذات وكبرياء؛ فأين يجد من هذا الحب ذاته وكبرياءه؟ هكذا سألته نفسه!
وأحبها أديبة فيلسوفة شاعرة تستطيع أن ترتفع إلى سمائه وتحلق في واديه وله مثل قدرتها على الطيران والتحليق في آفاق الشعر والحكمة والخيال؛ فما التقيا مرة حتى كان حديثهما فنوناً من الشعر وشذرات من الفلسفة وقليلا من لغة العشاق في همس من لغة العيون. . .