سيقول العمل - وهو لابد قائل - (ولكن ذلك يضايق!!) وستقول الفلسفة (إنه حقاً يضايق ولكنه بعد ضروري لأن التقدم لم يضر نفسه إلا عن طريق الغرور! لذلك لابد من هاتيك الأسئلة السقراطية الحصيفة العميقة كيما نأمن مغبة الغرور!!)
وهنا سيعجب (العمل) من قول الفلسفة، وسيبسم فتضحك (الفلسفة) وتقول له: (حسناً لقد اقتربنا! إنك قد بدأت تعجب والتعجب أول خطواتي!! وإذن فكْن معي كما يقول المثل الصيني (كل رغيفاً واشتر بالآخر زهرة!!) وتذكر دائماً أنك تكون إياي حينما تنعكس على نفسك فتختبر حقائقها وترتبها وتبوبها وتجعلها منطقية معقولة!!)
وإذن فليست فلسفة التربية أداة لفهمها فحسب؛ وإنما هي أيضاً أداة لنقدها وإصلاحها. وللفلسفة عدة صور أهمها الميثافيزيقا التي تعطينا فكرة جامعة عن الكون. ونحن في التربية إزاء كائنات راقية هي أفراد الإنسان. وعلم النفس لا يكفي قط لفهم هذه الكائنات بجميع علائقها، وإذاً فلابد من ذلك (التقدير الوافي) الذي تقدمه الفلسفة!! فترى ماذا عسى أن يكون ذلك التقدير؟؟
تبحث الفلسفة كما قدمنا في (الكليات)، وترى (الكل) ممثلاً في الجزء كما نرى الحيوان المنقرض في هيكله العظمي، والإنسان جزء من الكون. وكل أجزاء الكون ترتبط وتندمج في وحدته الكلية. والتربية من أهم تجارب الإنسان إن لم تكن أهمها جميعاً. وسؤال الفلسفة هنا هو ماذا تقوم عليه التربية من أصول، وما قيمة هذه الأصول؟؟ ذلك أن التربية أسلوب زمني يعمل لإعداد الفرد كيما يحقق نوعه بإخراج ملكاته من القوة إلى الفعل، والارتفاع به من الواقع إلى المثل الأعلى؛ ولما كانت أغلب تجارب الإنسان تقع في حيز الزمن؛ ولما كان الزمن يقص علينا قصة المجهول على لسان التطور الذي ما فتئ يعمل في الكون منذ السديم الأول إلى اليوم؛ ولما كانت التربية هي تطور في الفرد مع شعور بهذا التطور؛ ولما كانت سلسلة التطور تمتد في مجرى الزمن وتمتد حتى المطلق - أقول لما كان كل ذلك - فيما يلوح - حقاً، فإنه يرجح لدى الأستاذ هرن صاحب كتاب (فلسفة التربية) أن قصة الإنسان تتطور نحو الكمال، وأن التربية هي وسيلة ذلك التطور. وإذا صح ما يقوله (هيجل) من أن تجارب الإنسان الزمنية ليست إلا مظهراً (للدائم الخالد)، صح أن التربية