وتعترف الفلسفة بالعقل البشري كآخر منحة للجسم العضوي في تطوره؛ وكوسيلة للخروج من اللاشعور إلى الشعور؛ ولذلك نراها تضع يدها عليه لترقيه وتنميه معتبرة إياه أعظم أنواع الحقيقة الزمنية. ويقول هاملتون (ليس في الدنيا أعظم من الإنسان، وليس في الإنسان أعظم من العقل). ولكن من أين أتى هذا العقل؟ أمن العدم؟ أم من شيء غير عقلي؟ لابد من القول هنا (بعقل تام) قائم خلف عقلنا المحدود، وهذا العقل التام هو السبب الأول لمركز التربية في الإنسان - وهو العقل - بل وهو الضامن كما يقول ديكارت (الموضوعية) الحقائق العقلية ذاتها!
وتكون التربية على ذلك تحقيق للإنسانية بجهد خاص قوامه الشعور بالنفس؛ ولكن ما طبيعة هذا الجهد وما صلته بالكون؟
سبق أن الإنسان جزء من كل؛ ويتبع ذلك أنه محدود في شعوره بنفسه لأنه جزء فحسب؛ هذا بينا الكل الذي يحوي الإنسان ويحوي غيره يجب أن يكون مطلق الشعور بنفسه وذو نشاط ذاتي دائب. . . وهذا الكل هو الله
ولما كان الإنسان عقلا بالقوة يتحقق بالفعل بالجهد أو بالنشاط الذاتي، ولما كانت التربية هي ذلك الجهد نفسه أو ذلك النشاط الذاتي؛ كانت عمليتها تقرب حتما ما بين الإنسان وخالقه
وإذا أخذنا بمذهب الحلول قلنا إن الله تعالى مصدر ما في الكون من قوة وحركة ونشاط. وإذن تكون المادة نشاط في نظر العالم الطبيعي، ويكون هذا النشاط درجة من الشعور في نظر الفيلسوف. ويكون الله على ذلك هو وحدة الكون الشاعرة التي تحيا الطبيعة فيها والإنسان. يقول القديس بطرس:(إننا نعيش ونتحرك ونأخذ كياننا فيه)؛ ويكون زمن التربية على ذلك هو فترة تحقيق الناشئ لأحد مظاهر الله. وذلك التحقيق يسر الله من غير ما شك. يقول فيختة (التربية تكميل خالد وطريق لجعل الجزء كلاَّ، إذ الحقيقة الكلية هي الكون أو الله. والحقيقة الزمنية هي الصيرورة. ومن أساليب الصيرورة ذلك الأسلوب الذي يصير به الإنسان ما هو عليه في الأبد. والحياة الأبدية هي أن يكون الإنسان على نحو الله)