للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون المِقْوَم بيدك. . . أما الحجر الأسود الصغير فتقذفه وسط المحاربين الذين تنبتهم أرض مارس الجَبُوب، وإنه لحجر مُسَوَّم من سجيل، يجعلهم كعصف مأكول! وأما العلبة الصغيرة الذهبية فتنثر مما بها من طيب في وجه التنين فيسكر وتتخدر أعصابه وينام لساعته، ولك عندها أن تقضي عليه. . .

وسكتت ميديا. . .

ومدت فمها إلى جاسون، فطبع عليه قبلة فاترة خائفة ترتجف وترتعد، مما سمعت من سحر الحجر الأسود، وريح العلبة الفضية، وطيب العلبة الذهبية!!

وكان الجو العبوس القمطرير يزيد في منظر الحفل الحاشد روعةً ورهبة؛ وكان الملك الجبار يملأ بجسمه الضخم عرشه الممرد فوق الأكمة المشرفة على الأرض الجبوب المقدسة باسم مارس، وكان الناس الذين أقبلوا من كل فج مُشَاةً وعلى كل ضامر يجلسون على الشعاف وأَحْيَاد الجبال المطلة على الميدان متزاحمين متدافعين كأنهم في يوم حشر. . . وكان إخوان جاسون يجلسون عصبة بينهم وفي قلوبهم حسرات على صاحبهم، وألسنتهم ما تفتر عن الدعاء له، والتوسل إلى الآلهة من أجله. . . وكانت ميديا العتيدة تجلس في ركن من مقصورة الملك تشعوذ وتُعَوّذ وتطلق الرُّقى. . .

ثم دق الناقوس الكبير فصمت الناس وشملهم سكون عجيب. . وانفتح باب الزّرب فبرز عجلا فلكان ثم جعلا يعصفان ويتلبطان وينفثان من منخريهما شرراً ودخاناً يختلط بهما لهب أزرق ما مسَّ شيئاً في الميدان إلا حرقه. . . حتى العشب الرطب المندّى بَلْه الهشيم اليابس. . .،. . . وبرز جاسون من مكمنه، فانحبست أنفاس الناس، وسكنت الريح، وأشرفت الآلهة من نوافذ السماء تنظر إلى هذا اللقاء العظيم. . . وأهطع أصحاب البطل وطارت ألوان وجوههم، وتحسس كل منهم فؤاده. . . ولكن جاسون الهائل خطر شطر العجلين غير هياب؛ وعليه دروعه، وفي يده سيفه؛ فلما كان قاب قوس منهما جعل يتلطف بهما، ثم فتح العلبة الفضية فصعدت منها ريح هدّأت ثورتهما وأسلست قيادهما فأسرع إلى النير فوضعه على عنقيهما وشد وثاقه، ثم ربط إليه المحراث وبدأ عمله الشاق. . . وكانت الريح السحرية قد بطل عملها أو كاد فعاد العجلان إلى سابق دأبهما من التوحش والقماص والشبوب وعاد منخراهما يقذفان دخاناً أبيض وشواظاً. . . بيد أن جاسون سيطر عليهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>