للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى أتم حرث الأرض كلها، ثم قادهما إلى زَرْبها وأطلقهما، وغلق عليهما، وقصد ناحية الملك يسأله أنياب التنين ليزرعها. . . فدفعها الحراس إليه وطفق يغرسها في الأرض الرحبة حتى إذا فرغ من عمله، نظر فإذا رؤوس مقنعة في خوذات من حديد تنبت من الأرض، ثم تنمو فتبرز الرقاب، ثم تظهر الصدور وعليها الدروع السابغات، ثم تشقق الأرض وتكون الجذوع كلها من فوقها، وتخلص الأذرع وفي أكفها السيوف المرهفة تلاعب الهواء. . ثم ترتفع الأفخاذ وعليها كل لأْمة دلاص، ثم يقف أمام جاسون جيش عرمرم من هذه الشياطين المسلحة ترغى وتزبد وتزأر، ثم ينقض عليه الجيش بأكمله وقد شرع كل جندي حسامه، فيتلقاهم البطل بأحسن ما علمه شيرون أستاذه العظيم في قوة في كر، وحزم في فر، وحذق في تحرُّفٍ لقتال، ورسم لخطط للنضال. . . وكان الملك ينظر إلى كل ذلك ويتعجب، وكان الشعب يفغر أفواهه من دهش وذهول. . . وكانت ميديا - برغم ما سلحت به جاسون من سحر - تمسك قلبها الخفاق بيدين مرتجفتين. . . أما رفاق جاسون، فوا رحمتاه لهم!! لقد كانوا يرون الأبالسة يحدقون به من كل صوب، ويزلزلون الأرض تحت قدميه، فتزيغ أبصارهم وتقلب قلوبهم، وتتثلج مشاعرهم، وينظر بعضهم إلى بعض، لا يملكون لهذه الحال ردّاً ولا دفعاً

وظل جاسون يناضل ويناضل، وكلما قتل عشرة وقفت مائة مكانها، وكلما جندل مائة بُدلت بألف؛ فانقذف شيء من الرعب في قلبه، وسرى إلى نفسه دبيب من اليأس كاد يقتله، لولا أن أقبلت جونو تكلمه في نسمة روحت عن قلبه، وتذكره بالحجر الصغير الأسود. . . ولكن الحجر الصغير الأسود كان في جيب صداره، فأَنى له به ولو غفل لحظة عن الدفاع عن نفسه لباء بقتلة شنيعة يقطر سمها من ألف ألف سيف!!

وجعل المسكين يحاول مرة بعد مرة أن يخرج الحجر الصغير الأسود. . . ولكن محاولاته كلها ذهبت سدى. . . وكان قد بلغ منه الجهد، وتولاه الإعياء والضنى. . . فلهج لسانه فجأة باسم جونو. . . فأسرعت سيدة الأولمب لنجدته، وأخرجت الحجر الأسود من جيبه، ووضعته في يده، فقذفه جاسون وسط جيش الأعداء المحدقين، فما هي إلا طرفة عين حتى تفرقوا من حوله، ثم تصرّعوا غير مأجورين. . . وماتوا جميعاً

وأهرع أصحاب جاسون إليه، وطفقوا يحيونه ويهنئونه، ويذرفون حوله دموع الفرح لما

<<  <  ج:
ص:  >  >>