في المشرق والمغرب إلا صوت بلال مردداً قد بقي في القبة الزرقاء صدى توالت رُواته واتصلت نغماته؟
وهل جُلْتَ في الغوطة تحنو عليك أشجارها، وتترقرق عليك ظلالها، وتطالعك من بين الغصون شمسها، وتتمادى بك مسالكها بين الزروع والأشجار:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وهناك ضريح سعد بن عبادة قد اعتزل الناس في مماته، كما اعتزلهم في آخر حياته:
وهل سرت إلى دوما ومررت بجَوبَر فذكرت قول القائل:
إذا افتخر القيسي فاذكر بلاءه ... بزرّاعة الضحاك شرقي جوبرا
أو قول الأمير شكيب أرسلان في الصديق الأديب الشاعر خليل مردم بك:
(وإليه تجبى جوبر وكنيسها)
يا أخي وكيف تجيش الفِكَر وتنبع الذِكَر حين يقترب المسافر من المدينة الخالدة فيلقى نضارتها ويجد رَوحها عند الهامة. فإذا أجاز إلى دُمّر فهناك برَدى عن اليمين والشمال متدفقاً في ظلال الأشجار - أشجار الحور الباسقات - ولله مجلس على بردى تذوب في مائه النظرات، وتتساقط عليه من الحور نغمات. فإذا بلغت الشاذروان فَغَمَك عَرف دمشق، وشممت أخلاطاً من الروائح الطيبة أمدّت بها الأشجار والأعشاب، روائح يعجز عنها الوصف إلا أن يسميها (نفحات دمشق). وهل جلست بالربوة فسمعت المعجبين بها يقولون: إنها الربوة التي ذكرها القرآن الكريم في قوله: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) هناك بَردَى سبعة أنهر تجري في الوادي وعلى الصدفَين وفوق الجبل. ويخر من نهر يزيد - وهو فوق الجبل لا يرى - شلال على الربوة لا يمل الشاهد مرآه ومسمعه
أما أنا يا أخي فلست أملّ التردّد بين دمشق ودّمر أجد هناك جمالاً لا يحد، وسحراً لا ينفد. وقد رُدت هذه المشاهد مرات، ورأيت لها في القمراء آيات؛ يتمعّج بنا الوادي بين الجبال والأشجار، ومياه بردى تسيل بها ربوة أو يوسوس بها ثعب، أو يتغنى بها بستان، فلا تفتأ تسمع منه حديثاً يؤلّف مع حفيف الريح موسيقى هذا الجمال الفتان، والوادي يدور بنا دوراته، والقمر يلاعبنا بطلعاته، عن اليمين والشمال وأمام وخلف. وللقلب بين ذلك مضطرَب، وللشعر مذهب أيّ مذهب. كان يخيل إليّ أن هذه المياه الثرثارة حُزَم من