علا شأن هذا الفرد كانت العقيدة بالخضوع له أشد وأعم. وليس بلازم أن تعرف الجماعة ميزة هذا الفرد - بل من المصلحة العامة ألا تتناوله بالتحليل - وإنما يكفي أن تعتقد أنه ممتاز
فإذا كان هذا الفرد الممتاز الذي يجب أن تكون له السيادة وتخضع له الجماعة ليس من عامة الشعب أمنت حكومته انقلاباً شعبياً، ولم تكن هناك أطماع في استبداله بآخر، لأن الشعب مازال يعتقد فيه ميزة ليست لكل فرد. وكلما استقر الحكم في يد من له الأمر كانت نتائجه أثبت وأضمن لمصلحة الشعب نفسه
ونظام الملكية هو أقرب النظم الفطرية للجماعة الإنسانية، بل هو أضمن لوحدة الجماعة، لأنه يحول بين أي فرد من أفراد الشعب وبين أن تسوِّل له نفسه أنه أجدر بالقيام بالأمر من هذا أو ذاك، مما يترتب عليه ثورة داخلية لا ينطفئ لهيبها كما هو حال النظام الشيوعي اليوم
فكما يميل الإسلام إلى نظام الملكية لأنه أقرب نظم الحكم إلى فطرة الجماعة، ويفرض طاعة الأمة لرئيسها الأعلى مادام قائماً بدستور الإسلام وهو كتاب الله وسنة رسوله، كذلك يؤيد روح الشورى ويهيئ الشعب للعمل على وفق مبادئ خلقية، كمبدأ الشعور بالواجب والشعور بالحرية المهذبة والشعور بالمساواة والاعتراف بالكفايات، تلك المبادئ التي منها تتكون الديمقراطية الصحيحة
ففي الوقت الذي يأمر فيه الإسلام الشعب بالطاعة لولي أمره حتى تسلس قيادته، يقيد هذه الطاعة بقيام العدل في الرعية
وفي الوقت الذي ينادي فيه بحرية الفرد حتى فيما يعتقد لا يتركه يتعدى مصلحة الجماعة
وفي الوقت الذي يشجع فيه على اكتساب الرزق ويبيح فيه للفرد حرية التملك، يكلفه بالتنازل عن جزء مما ربحه لمن أشقاه الفقر في حياته
وهكذا يقصد الإسلام دائماً إلى التوازن والاعتدال، فهو دين الفرد والجماعة، بينما الديمقراطية البرلمانية، كما رأينا، تتحيز للفرد وحده، والفاشستية تؤيد الجماعة فحسب، والشيوعية تهدم مصلحة كل من الاثنين