فقاعدة الحكم عندهم مبنية على قيادة الرئيس وعلى طاعة الشعب له. والدين هو خير ضامن وأقوى كفيل بتلك الطاعة عن رضا واختيار ولمدة طويلة
أما بناء السياسة العامة لتركيا الحديثة على إبعاد الدين فلا يصح أن يقوم حجة على أنها مع ذلك سياسة إصلاحية ثابتة أو أنها ستنجح في جيل مقبل. فالثقافة التركية التي كان عمادها الدين قد تزعزعت من أساسها؛ ثم ما يدخله مدعو الإصلاح في تركيا الحديثة من ثقافات البلاد الأجنبية لا يصح أن يعوض ثقافة الشعب الأصلية كما لا يؤمل أن يكوِّن ثقافة ثابتة في المستقبل للشعب التركي. وما تمتعت به الحكومة التركية للآن من طاعة الشعب لها فسببه عقيدة الشعب التي لم تفن بعد من وجوب الطاعة للقائم بالأمر، فهو في الواقع أثر من آثار العقيدة الدينية
فإذا كان الإسلام يتدخل في سلطة الرأسمالية بنظام الزكاة فهو تدخل مقبول لدى النفوس بحكم ما فيها من قوة التدين، وفي الوقت نفسه هو نظام غير مرتبط بقيام فرد بالحكومة دون آخر بل هو كأي نظام ديني أبدي غير مؤقت بوقت
فتقرير مبدأ الإخاء والمساواة على النحو السابق، والاعتراف بالجزاء على المجهود الشخصي من حق التملك، ثم حصر نفوذ الفرد في حدود المصلحة العامة، هو نوع من أسلوب الحكم الديمقراطي الذي لم يصل إليه تشريع وضعي للآن. فقد رأينا كل نوع من أنواع الحكم في العصر الحديث الذي تدعي فيه أوربا أنها وصلت آخر المرحلة التي يمكن للإنسان أن يصل إليها، ومع ذلك فكل نوع منها لا يسلم من أخطار عديدة لاستحالة تنفيذه أو لعجزه عن حل بعض المشاكل الاجتماعية الكبرى، أو لأنه قد لا يضمن الوفاء في المستقبل بمثل ما حققه الآن من نتائج
وبتقرير الإسلام هذه المبادئ كان نظام توازن واعتدال. لا يترك طائفة تتحكم في أخرى حتى تلجأ الطائفة المتحكم فيها إلى عمل ثوري أهوج مبني على العاطفة وحدها غايته الهدم والتخريب. وبتقريره هذه المبادئ كان أيضاً دين الفطرة والطبيعة، أي أنه يساير الطبيعة ويقضي على ما شذ منها
ولكونه دين الفطرة والطبيعة كان لنظام الملك منه سند قوي يعتمد عليه في حكمه، لأنه مغروس في طبيعة الجماعة أن تخضع لفرد واحد منها خضوعاً ناشئاً عن عقيدة؛ وكلما