في المواظبة على عملها وعدم الشعور بمضض في الإتيان بها
وليس من شك في أن التكليف الوضعي أي تشريع الدولة وتقنينها لا يساير التكليف الديني في نتائجه الإيجابية. فنسبة من يعتقد من أفراد الأمة بعدالة قانون وضعي أقل بكثير ممن يعتقد بعدالة قانون إلهي؛ لا لأن القانون الوضعي قد لا يطابق المصلحة العامة، بل لأنه يعتقد على العموم أن واضعه ممن يجوز بل ممن يغلب عليه الخطأ، ولكن من ينسب إليه القانون الديني هو ممن يستحيل عليه فوات الصواب في تشريعه
وهكذا أثر العقيدة الدينية التي تكوِّن من نفس الإنسان جزئها الأعظم. ولذلك كان من المهمة الأولى للدين أن يخلق من التكاليف والالتزامات مبادئ خلقية تُعتقد، جزاء فعلها أو تركها منوط بالخالق القادر، وفي عالم آخر لا اطلاع لإنسان عليه في هذه الحياة الدنيا. وإذن فالشوق إلى جزاء الفعل - كالخوف من جزاء الترك - لا يقاس في تصور النفس له بجزاء القوانين الوضعية، لأنه في عالم محدود معروف فيه أقصى درجة الثواب والعقاب
والمصلح السياسي أو زعيم الدولة الذي يفهم كنه الإصلاح ويهتم بتنفيذه واتباع الشعب له لا يألو جهداً في بناء قوانينه الإصلاحية على مبادئ الدين أو صبغها على الأقل بصبغة دينية حتى يكون لها نصيب من معتقدات الشعب، وبهذا يكون لها قوة الاستقرار والدوام. والاستقرار من أهم عوامل نجاح الإصلاح
فكثير من القوانين الإنكليزية وخصوصاً قوانين العائلة الإصلاحية أسست على مبادئ فلسفية خلقية قام بها بعض الفلاسفة الإنكليز الدينيين
حتى في بعض الحكومات الفاشستية التي يُظن أنها تحارب الدين، نجدها لا تتخلى عن ربط مبادئها السياسية بالمبادئ الدينية العامة؛ فهي في الواقع لا تحارب الدين، وإنما تحارب سلطة الكنيسة، أي سلطة طائفة أخرى تتمتع بنفوذ كبير في الشعب ربما تحد من سلطة الدولة. فخطباء الحزب الاشتراكي الوطني هنا في ألمانيا يعظون الشعب في كل يوم أحد بواسطة الراديو محاولين في وعظهم إرجاع أعمالهم الاجتماعية، كمساعدة الشتاء، وخدمة العمل العام، وتنظيم هدايا عيد الميلاد التي هي أقرب شبه بزكاة الفطر في الإسلام، إلى مبادئ الدين الصحيح حتى يضمنوا للحكومة طاعة الشعب، ومن وراء ذلك تنفيذ أعمالهم الإصلاحية