الإسلام ليس نظاماً روحياً، نظام كهنة وكنيسة، وإنما هو مبادئ خلقية للفرد، وقوانين عامة تحفظ نظام الجماعة. وهو بهذه الصفة يتدخل في علاقة الفرد بالفرد وتنظيم علاقته بالمجموع، وفي علاقته بالمجموع يبغي أيضاً الإخاء والمساواة، يبغي الوحدة ويعمل على تماسكها، يريد التوازن وتأسيسه على قواعد ثابتة
ولكنه في إقراره الإخاء يريد تقرير مبدأ آخر للتفضيل بدل مبدأ الجنسية الذي ساد قبل الإسلام ويسود أيضاً الآن من وقت لآخر، يريد تقرير مبدأ الكفاية والعمل (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالإخاء معناه عدم اعتبار الانتماء إلى قبيلة أو شعب مرجحاً ومميزاً لفرد عن آخر لمجرد هذا الانتماء كما يقصد اليوم من محاربة الأرستقراطية، وعدم جعلها القاعدة الأولى في الاختيار والتفضيل
وفي إقراره المساواة لا يرى زوال الرأسمالية، ولا منع الفرد من التملك وقصره على الدولة وحدها، وإنما يقصد المساواة أمام القانون، أمام المبادئ الخلقية، أمام التكليف بالواجبات، والقيام بالأعمال العامة. فليس لشريف أن يخلي نفسه من التكليف، ولا لحاكم أن يستبد بمصالح الأمة لنفسه اعتماداً على أنه مميز لمجاله من التهذيب (الرسمي) أو لانتمائه إلى جنس كذا أو قبيلة كذا
وفي إقراره المساواة على هذا النحو لم يمنع التفضيل لصفات أخرى، لم يحرم الفرد أن ينال جزاء مجهوده الشخصي في هذه الحياة الدنيا، ولكنه فرض عليه فيما اكتسبه من علم أو مال أن يخصص جزءاً منه لمن هو دونه: لمن هو أقل منه معرفة، أو أقل ثراءً؛ فرض أن تقرب الخاصة نفسها من عامة الشعب، حتى لا يكون هناك جفاء بين عالم وجاهل أو عداوة منشأها الحقد بين غني وفقير، حتى يكون (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. . .) هذا واجب العالم في علمه في أية ناحية تعلق علمه بها نحو أمته، نحو أكثريتها الجاهلة
أما الغني صاحب الثروة فواجبه في ماله الزكاة لمستحقيها، لفقراء الأمة المعوزين. وهو واجب يخف على النفس عمله، بل يسرها القيام به، لأنه تلبية لنداء الدين ورغبة ناشئة عن إحساس التدين؛ وما نشأ عن التدين والاعتقاد كان كالصادر عن التعود، كالعادة نفسها