وألثم فاها كي تزول صبابتي ... فيشتد ما ألقى من الهيمان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله ... سوى أن يرى الروحين تلتقيان
ولكن أنى تلتقي الأرواح؟ وأين هذا الحب الجارف القوي الخالص الذي يأكل الحبيبين كما تأكل النار المعدن، ثم تخرجهما جوهراً واحداً مصفى نقياً ما فيه (أنا) ولا (أنت) ولكن فيه (نحن)؟. . .
فنفضت يدي من الحب، ويئست من أن أرى عند الناس الاجتماع المطلق، فعدت بطوعي أنشد الوحدة المطلقة
صرت أكره أن ألتقي بالناس، وأنفر من المجتمعات، لأني لم أجد في كل ذلك إلا اجتماعاً مزيفاً: يتعانق الحبيبان، ولو كشف لك عن نفسيهما لرأيت بينهما مثل ما بين الأزل والأبد؛ ويتناجى الصديقان، ويتبادلان عبارات الود والإخاء، ولو ظهر لك باطنهما لرأيت كلا منهما يلعن الآخر؛ وترى الجمعية الوطنية، أو الحزب الشعبي، فلا تسمع إلا خطباً في التضحية والإخلاص، ولا ترى إلا اجتماعاً واتفاقاً بين الأعضاء؛ ولو دخلت في قلوبهم لما وجدت إلا الإخلاص للذات، وحب النفس، وتضحية كل شيء في سبيل لذة شخصية أو منفعة!
وجدتني غريباً بين الناس فتركت الناس وانصرفت إلى نفسي أكشف عالمها، وأجوب فيافيها وأقطع بحارها، وأدرس نواميسها وجعلت من أفكاري وعواطفي أصدقاء وأعداء، وعشت بحب الأصدقاء وحرب الأعداء. . .
إن من حاول معرفة نفسه عرضت له عقبات كأداء، ومشقات جسام، فإن هو صبر عليها، بلغ الغاية، وما الغاية التي تطمئن معها النفس إلى الوحدة، وتأنس بالحياة، وتدرك اللذة الكبرى ما الغاية إلا معرفة الله
وسيظل الناس تحت أثقال العزلة المخيفة حتى يتصلوا بالله ويفكروا دائماً في أنه معهم، وأنه يراهم ويسمعهم، هنالك تصير الآلام في الله لذة، والجوع في الله شبعاً، والمرض صحة، والموت هو الحياة السرمدية الخالدة. هنالك لا يبالي الإنسان ألا يكون معه أحد، لأنه يكون مع الله