الأربع بالفتح والاستعمار، حتى وسعت إمبراطوريتهم ثلثي الكرة الأرضية - لم تكن إلا قوة إيمانهم بعقيدتهم الجديدة، عقيدة التوحيد بالله وعدم الشرك به، تلك العقيدة السامية التي استمرءوا في سبيلها النكبات، وتجشموا الأخطار والمصائب، فما لانت قناتهم، ولا خضُدتْ شوكتهم، ولا هانت قوتهم. ولئن قام الإسلام ببضعة أسياف ونفر من الرجال، لقد قاومه أعداؤه المشركون بآلاف الصوارم، وكتائب الأبطال. وما انتصاره عليهم إلا انتصار الحق على الباطل، وما هزيمتهم أمامه إلا هزيمة القوة المادية أمام قوة الإيمان الروحية
تبارك الله!! رجل يقوم ضد أمة، فكأنه بقوة إيمانه - وهي كل ذخيرته - أمة بأسرها. فيغلبها حيناً وتغالبه أحياناً، ثم ينصر الله عبده، ويعز كلمته، فإذا القوم يسارعون فرادى وجماعات ليستظلوا تحت راية حقه، وليسترشدوا بنوره، ويهتدوا بهدايته، وإذا محمد رسول الله، ورجل الحق، وعدو الكفر يقف فيهم خطيباً عند باب البيت ليعلن فيهم مبدأ الإخاء والحرية والمساواة، فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدميَّ هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. يا معشر قريش! إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم، وآدم خلق من تراب. يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم
تلك هي مبادئ الإسلام السامية التي اهتزت لها أصنام الوثنية وهياكلها، بل تلك هي عدة المسلمين التي فتحوا بها العالم والتي لم تغن عنها (يوم ثور) جيوشُهم اللجبة الجرارة وأسلحتهم الوفيرة المدمرة
بمثل هذه المبادئ قام الإسلام يرشد الناس بنور الهداية، وحسن الموعظة، ولم يلجأ إلى السيف إلا دفاعاً عن حوزته، وإشفاقاً على رسالته، من أن تصبح مضغة استخفاف يلوكها أهل الكفر والإلحاد مدى العمر. وأي شريعة سماوية جديدة قامت ولم يؤيدها السيف في انتشارها؟ أهي اليهودية وقد كانت تأمر برجم كل خارج على الناموس؟. . . أم هي المسيحية ومازالت محاكم التفتيش بأقبائها المروعة المظلمة يتردد صداها في الآذان، وترتعد من فظائعها الأبدان؟ ولمَ نذهب بعيداً في الاستدلال والتاريخ مفعم بذكر الكثيرين من ضحايا المسيحية - أو قل على الأصح إنكشارية المسيحية - ومجازرها؟ وحسبك منها