مجزرة القديس (سان برثلمو) التي قتل فيها (٢٥٠٠٠) نفس، ومجزرة شارلمان بقبائل السكسون التي سالت فيها الدماء البريئة أنهارا؛ وما ارتكبته جيوش فيليب الثاني ملك أسبانيا وحامي ذمار الكاثوليكية في هولندا من الفظائع وضروب التمثيل التي تهتز لهولها الرواسي، وتشيب لمنظرها النواصي. وما فعله الإمبراطور فرديناند الثاني وهو من أسرة هبسبرج حين حاول أن يستأصل شأفة البروتسينتية في ألمانيا، فأرسل إليها جيوشه اللجبة، التي أخذت تعمل السيف في الرقاب والعباد، والنهب في البلاد؛ واختل الأمن، فأبيحت الأعراض، وأزهقت النفوس البريئة، وخرب خمسة أسداس المدن والقرى الألمانية، وتناقص عدد السكان فيها، حتى صار أربعة ملايين بعد أن كان ثمانية عشر مليوناً
ولِمَ نذهب بعيداً وفي الأمس تراجع البابا تلك الذكريات المؤلمة، فيبكي وينتحب لها، ولأن أهل رومية قد أقاموا (لبرونو الإيطالي) الذي أحرقته محاكم التفتيش بالقار والقطران، في حفل رائع من رجال الإكليروس، تمثالاً عظيما في المكان الذي أحرق فيه ضحية لتزمت العصر، وكفارة عن حرية الفكر
ولم تكن البروتسنتية على حداثة عهدها لتختلف عن الكاثوليكية بشيء من حيث تفتيش الضمائر ومخبآت الصدور، واضطهاد أبطال الحرية الفكرية بالسجن حيناً وبالحرق أحياناً، فتلك النيران المخيفة التي التهمت جثة (سرفيتوس الإسباني) ما يزال مشهدها ماثلاً أمام عيني كلفن وهو في جدثه، وما تزال تلك الذكرى تنتاش جثته الهامدة ورمته البالية
لقد اضطهدت المسيحية على اختلاف مذاهبها خلقاً كثيراً من ذوي الحرية الفكرية على حين كان الإسلام على درجة بعيدة من التسامح؛ ولنا من أبي العلاء المعري أكبر دليل على ذلك، فقد شك هذا الفيلسوف العظيم في جميع الأديان، واتهم بالكفر والإلحاد، ومع كل ذلك فقد عاش آمناً مطمئناً على حياته، ولم ينله من الحكومات الإسلامية أدنى أذى مع أنه قد تمادى في كفره وشكه لدرجة تكفي للحكم عليه بالقتل والحرق
ومن الحق هنا أن نسجل أن جميع الديانات حتى الوثنية منها تأمر بالخير والإحسان وأن المسيحية لم تبح سفك الدماء واضطهاد الأبرياء، ولكن ما العمل وقد اضطهدت هذه النفوس البريئة باسمها! وذلك إرضاء للنفوس الدنيئة، والأطماع السافلة!!
لقد قام الإسلام يدعو إلى التوحيد، فأعطى أهل الكتاب الحرية التامة في إقامة شعائرهم