للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أتعلم ذلك، أنت الذي لا تعلم؟ أتعلم ذلك، أنت الذي لا أريد أن تعلم. . .!)

وكان حبها إعجاباً بالعقل الجميل، ثم تقديراً لأستاذها الذي فجر لها ينبوع الشعر والبيان، ثم إجلالا للصديق الذي وجدت مفزعها إليه، ثم انعطافاً إلى الرفيق الأنيس الذي كشف لها عن أفراح الحياة، ثم. . . ثم حباً يستأثر بنفسها ويسيطر عليها في غيبه ومشهده فما لها عمل إلا أن تفكر فيه. . .

وأضلها الهوى وأضله؛ وخيل إليها أنها تستطيع أن تكون أرفعَ محلاًّ لو أنها منعته بعض ما تمنحه، وخيل إليه أنه يستطيع وقالت له: (أنا لا أشفق على آلامك؛ وهل تراني أكره لك النبوغ والعبقرية؟) وقالت له كبرياؤه وغيرته وظنونه غير ما قالت صاحبته؛ ومضى كل منهما إلى طريق والقلب يتلفت؛ وما عرفت إلا من بعد أنه يحبها حباً لا يطيق أن يتسع أكثر مما تتسع له نفس إنسان؛ وما عرف إلا من بعد أنها كانت تجافيه لتطلب إليه أن يكون في الحب أجرأ مما كان. . .

وعرف وعرفت، ولكن العقدة لم تجد من يحلها وبينهما فلسفة الفيلسوف وكبرياء المتكبر؛ وظلّ وظلت وبينهما البعد البعيد على هوى وحنين. . . حتى جاء الموت فحل العقدة التي استعصت على الأحياء. . .!

إن كثيراً ممن يعرفونها ويعرفونه ليدهشون إذ يقرءون قصة هذا الحب، وسيتناولونها بالريبة والشك؛ وسيقول قائل، وسيدعي مدع، وسيحاول محاول أن يفلسف ويعلِّل؛ ولا عليّ من كل أولئك مادمت أقص القصة التي أعرفها وأستيقنها، والتي كان لها في حياة الرافعي الأدبية تأثير يُردّ إليه أكثر أدبه من بعد، وحسبه أنه كان الوحي الذي استمد منه الرافعي فلسفة الحب والجمال في كتبه الثلاثة: رسائل الأحزان، والسحاب الأحمر، وأوراق الورد، وحسبي أنني قدمت الوسيلة لمن يريد أن يدرس هذه الكتب الثلاثة على أسلوب من العلم جديد

(شبرا)

محمد سعيد العريان

<<  <  ج:
ص:  >  >>