صدره، وتدفق الدم الحار. . . دم الشباب الفينان. . . يلطخ اليد الأثيمة المجرمة. . . اليد الشقية، يد ميديا التي طَوّعت لها نفسها المغلقة قتل أخيها، ثم تقطيعه إربْا. . .؟
ماذا خطر برأس الساحرة؟ أواه! لقد أخذت تمزق أخاها مِزَقاً مِزَقَا، وكلما اقتطعت منه شلْواً قذفت به في الماء، وأبوها المسكين المجنون يرى، فيضطر أن يتلبث عند الشلو لينتشله، ثم يتلبث عند الشلو الذي يليه. . . وهكذا دواليك، حتى انتشل آخر الأمر الرأس العزيز. . . الرأس الصغير الذي كان يبسم لأينع الآمال.، ويحلم بأجمل الأماني. . . رأس أبستروس. . . ولي العهد، والأمل المدّخر لأمة بأسرها. . .
لقد انتشر الظلام في عيني الملك. . . وغمر قلبه قنوط مر. . . وأمر الملاحين فطووا الشراع، وأخذوا يعودون أدراجهم إلى الوطن في بحر هادئ كله هم، وكله حزَن؛ وجلس إيتيس وبين يديه أشلاء ولده يغسلها بدموعه، ويخضبها بالدم الذي تذرفه عيناه
- (آه يا بني! أية فروة وأي كنز؟ ليتك خلصت لي بكل مُلكي! ميديا! غضبت عليك آلهة السماء يا عاقة! تبت يداك يا أغدر البنات! ألا ليت أمك لم تلدك. . .! أبستروس! رد عليّ أيها الحبيب. . .!) وهكذا ظل الملك المحزون يجتر أشجانه حتى عاد إلى الوطن!
ولكن جاسون ما خطبه؟! مسكين! لقد كان ينظر إلى ميديا وهو مأخوذ بما تصنع! ولقد حاول أن يمنعها من ارتكاب هذا الإثم. . . لكنها حدجته بنظرة آمرة كان يرقص فيها ألف جني، فسكت! وهل كان في وسعه أن يفعل شيئاً؟! أليس يذكر الحجر الواحد الصغير الأسود الذي أهلك جيشاً بأكمله؟ ورد عنه كيد ألف ألف مقاتل من المردة الجبابرة؟! بيد أنه عرف الآن ماذا كان يحجز بين قلبه وبين فم هذه المرأة الهائلة حين كانت تغمر خديه وجبينه بالقبل! لقد كان السر الرهيب المطوي في صحائف الغيب هو الذي يصون جاسون من مبادلتها حباً بحب وغراماً بغرام، وقبلاً حارة ملتهبة بمثلها!
وقد فكر جاسون في ملكه الضائع المغتصب، وفي أبيه الضعيف الطريد، وفي عمه الجبار العَتي، وفكر في قوة ميديا الخارقة، فآثر أن يبقي عليها عسى أن تنفعه. . . لهذا أظهر لها التودد، وتعمل في حضرتها البشاشة. . . حتى وصلت الآرجو إلى إيولكوس، حاضرة تساليا. . .