للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخذ إيسون يجوب شوارع المدينة فيراه الناس، ويعجبون لهذا الشاب الذي تدفق في بردتيه، فيسجدون له وإن منعهم الجند وطاردوهم. . . وعلم بنات الملك بما رَدّت ميديا على عمهم من رونق الصبى، وما ألبسته من رواء الشباب. . . وكان أبوهم قد بلغ من الكبر، ورزح تحت أعباء الملك المغتصب، فوددن لو أتين له بميديا لتصنع معه ما صنعت مع إيسون. . . واتصلن بالساحرة، وأغرينها بالمال، فرحبت وقبلت مختارة أن ترد إلى أبيهن الصبى، حتى لا يغلبه على الملك إيسون ولا ولده جاسون. . . وأحضرت الإدواة بما وعت من عشب، ثم جيء لها بالشاة السوداء، ولكنها حين تمتمت بكلماتها السحرية، وكانت الإداوة تغلي بما فيها من سائل عجيب، قفزت الشاة فكانت في الإداوة، ثم قفزت منها فكانت حَمَلاً وديعاً جرى إلى السهول يرعى العشب. . . وطرب البنات حين شهدن آية السحر وإعجازه. . . ثم جيء بالملك وحراسه ليشهدوا. . . وأعطت ميديا كلا منهن سيفاً مسلولاً وتمتمت بكلمات فدارت الأرض برأس بلياس وصحبه وحراسه، فسقطوا وغطوا في سبات عميق. . . وأشارت ميديا إلى البنات أن يضربن بسيوفهن عنق أبيهن وصدره لتبدأ هي عملها. . . فتلكأن أول الأمر. . . ثم أطعن، وحركن أيديهن بالسيوف في ضعف وفرق فأحدثن به جروحاً أيقظته. . . فلما شهد بناته تأوه وتوجع وصرخ بهن: (ويلاه! بناتي يقتلنني!؟) وخافت ميديا أن يبطل سحرها فبدت في صورة إحدى بناته، واستلت سيفاً مرهف السنان وأغمدته في صدر الملك اللص. . . فمات إلى الأبد. . . وأغمض عينيه ليفتحهما في هيدز. . . وفي هيدز فقط. . .

وكانت ميديا قد هتفت بالآلهة فأرسلت إليها العربة التي يجرها الأفعوانان، وكانت قد فعلت فعلتها حين بدأ الفجر ينبلج، فركبتها ولاذت بالفرار قبل أن يكشف صنعها أحد!

سبحان مقلب القلوب!! إن كل هذا السحر لم ينفع ميديا! لقد كان قلب جاسون مغلقاً دونها برغم أنه بر بوعده فتزوج منها وأولدها أطفالاً أبرياء أطهاراً نقيين كالثلج!! لقد أحب جاسون الأميرة كروزا ملكة كورنث، وأحب هذه المرة حباً صريحاً لا يشوبه ذعر. . . ولا تعكره التعاويذ. . . ولا تتلفه رُقي السحر. . . وأعلنت الخطبة، فجن جنون ميديا. . . واسودت الدنيا في قلبها وعينيها. . . وهالها نكران جاسون لجميلها الذي ناله مثنى وثلاث ورباع. . . ولِمَ لا؟ أليست هي التي مهدت له سبيله إلى العرش؟ أليست هي قاتلة بلياس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>