للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حجارة الشرق ورمال البحر المحيط، ومن البَرَد الذي جمعته أثناء رحلتها في ضوء القمر، وجعلت فيها رأس بومة وجناحيها، وحَوَايا ذئب، وبقايا من صدفة سلحفاة، ومزقاً من كبد غزال، ورأس غراب ومِنْسَره، وما إلى أولئك من آثار الحيوانات المعمرة؛ ثم صبت على ذلك كله ماء وتمتمت بكلمات، وأشعلت ناراً فجعلت عليها الإداوة بما فيها، وتركتها تغلي وتفور، وهي فيما بين هذا وذاك تعوّذ وتهمهم، وتتمتم وتغمغم، ثم تُقلب ما في الإداوة بغصن زيتون أملود. . . فما كاد السائل يفور حتى نمت في الغصن أفنان من الورق الأخضر، وحبات من الزيتون يكاد زيتها يقطر منها، وكلما نثرت منه على الأرض شيئاً نما مكانه عشب حلو أخضر كأحسن ما ينمو العشب في إبان الربيع!

ثم شحذت سكينها مرة ثانية، ثم أهوت على حلقوم الشيخ فقطعته، وتركت دمه ينبجس من الجرح الكبير حتى سال أجمعه؛ ثم إنها صبت من الإداوة في الجرح وفي الفم، كأنما تجعل منه مكان ما سال من الدم. . . وما هي إلا لحظة حتى دبت الحياة الفتية في جوارح الرجل المهدم المحطم. . . فهذا شعره يَسْوَدُّ ويصير فاحماً غربيباً. . . وهذا وجهه الجعد ذو الأسارير يمتلئ باللحم والدم، وهذا ظهره المحني يستقيم ويمتلئ قوة وعنفواناً، وهذا دم الشباب يجري في عروقه كقبل أن يكتهل، وهاهو ذا يثب كالغلام الأمرد السمهري، ويشب على إخمصيه كأرشق ما يفعل الصبيان!! وهاهو ذا الوجه يكتسي جمال العصر الخالي. . . ثم هاهو ذا جاسون يقبل من بعيد فينظر إلى أبيه وكأنه في حلم. . . ويعانقه ويهنئه. . . ويشكر ميديا. . . ويبكي!!

- أرأيت يا حبيبي؟ أليست لك حاجة بعد؟

- وكيف يا ميديا؟ إني مفتقر أبداً إلى واسع علمك، ومبين سحرك!

- أمهمة أخرى؟

- أجل يا ميديا! ألا ترين إلى والدي مطروداً من عرشه، وإليَّ يقتلني الحزن من أجل ذلك؟ ألا تصنعين شيئاً ينفعنا في ذلك؟

- ولم لا نقتل عمك؟ ألا يستحق القتل بعد كل هذه الجرائم؟

- أنا ضعيف يا ميديا. . . وهو رجل جبار وله جند. . .

- إذن أنا أكفيك مؤونة ذلك. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>