وأذكر أن بعضهم سألني مرة (أي كتبك أحب إليك؟) فلما قلت: (ولا واحد) استغرب جوابي وأنكره، وذكرني بأني قلت مرة إن هذه المفاضلة عسيرة لأن الكتب كالأبناء، والوالد لا تخفى عليه مزايا أبنائه وعيوبهم، ولا يجهل أن هذا ذكي وذاك غبي مثلاً، ولكنه مع ذلك يحبهم جميعاً على السواء وإن كان يعرف فضل بعضهم على بعض. وهذا صحيح، على الجملة، وفي الأغلب والأعم، ولكني رجل دأبي أن أراجع نفسي، ولا تنفك حالاتي النفسية تتغير، فنظرتي إلى الشيء وإحساسي به يختلفان من يوم إلى يوم. وثم أمر آخر هو ما يتمثل لي من صور الكمال وما يبدو لي في عملي من وجوه النقص والقصور، وليس لي حيلة إلا أن أقيس ما أخرجت إلى ما كنت أحب أن يكون، وإلا أن أحدث نفسي أنه كان في مقدوري أن أصنع خيراً مما صنعت، ولو كنت أعتقد أن هذا هو غاية ما يبلغه الجهد ويصل إليه الإمكان لرضيت وقنعت واغتررت، ولكني أحس أني أقدر على خير مما أفعل؛ وقد يكون هذا إحساساً كاذباً، كالجوع الكاذب، وقد يكون خدعة من خدع الغرور، فإن يكن كذلك فإنه ولاشك بلاء، ولكنه الواقع على كل حال. وما أكثر ما أسمع من يثنى على كتاب لي، فأتركه يثني فإن الثناء حبيب إلى النفوس، وأتعجب له فيما بيني وبين نفسي وأسألها: ماذا أعجبه يا ترى؟ أما لو أن رجلاً نقد نفسه. . .؟ وأزداد غرورا، وأشعر أني فوق هذا المادح. . . ولكني أتواضع وأقول له وأنا مطرق - ووجهي فيما أعتقد وأرجو مضطرم من فرط الحياء - (أستغفر الله! أستغفر الله! يا شيخ قل كلاماً غير هذا!) الخ الخ
فإذا كنت لا أكتب إلا قبيل أوان النشر بأوجز فترة فذاك لأني بليد ولأن نفسي تتعاقب عليها حالات مختلفة فأسخط على ما كنت أرضى عنه وأذم ما حمدت، واستضئل ما أكبرت، ولا حيلة لي في ذلك. وماذا أصنع إذا كنت أحس أني مسوق إلى جسّ نفسي وقياس قدرتها إلى ما ينبغي مما ترتسم صوره في نفسي وتتمثل لي في خواطري؟