أيها الباحث الذي سيأتي أوانه، ابحث عن حَشْو القول وفضول الكلام في مقالاتها ومقالاته، واقِرنْ تاريخاً إلى تاريخ وسبباً بسبب، لتنشر لنا رسائلها ورسائله في كتاب. . .!
أراني لم أتحدث عن (رسائل الأحزان) كما يتحدث كاتب من الكتاب عن كتاب من الكتب، فليس هذا إليّ، وإنما قدمت وسائل القول لمن يريد أن يقول؛ وأحسب أن كلاماً سيقال عن رسائل الأحزان من بعدُ غيرَ ما كان يُقال، وأعتقد أن الدكتور طه حسين بك لن يكرر مقالته التي قالها فيه من قبل، يوم أشهدَ الله على أنه لم يفهم منه حرفاً؛ وأعتقد أن الدكتور منصور فهمي بك لن يقتصر على قوله فيه من قبل:(إن معانيه من آخر طراز يأتي من أوربا. . .) لأنه سيجد مجالاً للقول في غير معانيه وبيانه
ولكن في رسائل الأحزان شيئاً غير ما قدمت من أشيائه، ذلك لأن الرافعي - رحمه الله - كان ولوعاً بأن يضيف إلى كل شيء شيئاً من عنده؛ وتلك كانت طبيعته في الاستطراد عند أكثر ما يكتب
سيجد الباحث في رسائل الأحزان عند بعض الرسائل وفي هامش بعض الصفحات من الكتاب، كلاماً وشعراً لا يتساوق مع القصة التي رَويت. ألا إن الرافعي كانت تغلبه طبيعته الفنية في الكتابة أحياناً فيستطرد إلى ما لا يريد أن يقول؛ ليثبت معنى يخشى أن يفوته، أو ليذكر حادثة يراها بالحادثة التي يرويها أشبه، أو لأن تعبيراً جميلاً وجد موضعه الفني من الكلام وإن لم يجد موضعه من الحادثة؛ فإن رأى الباحث شيئاً من ذلك فلا يداخلْه الريب فيما أثبتّ من الحقيقة التي أرويها كما أعرفها
وسيجد في بعض الرسائل حديثاً وشعراً عن لبنان وأيام لبنان؛ وما عرف الرافعي صاحبته إلا في مصر وإن كان مولدها هناك. فليعلم من يريد أن يعلم، أن صاحبة الرافعي هذه لم تكن هي أولى حبائبه، وقد كان له قبل أن يعرفها في الغرام جولان؛ وكان بعض من أحب قبلها فتاة أديبة عرفها في لبنان، وهي سَمية صاحبتنا هذه؛ وكان بينهما رسائل أثبت الرافعي بعضها في (أوراق الورد)، ومن أجلها أنشأ الرافعي كتابه (حديث القمر)، على أن عمر الحب لم يَطُل بينهما، إذ تزوجت وهاجرت مع زوجها إلى أمريكا لتشتغل بالصحافة العربية هناك - وما تزال - فما جاء في رسائل الأحزان من حديث لبنان وذِكر أيامٍ هناك، فهو بقية من ذكرى صاحبة (حديث القمر) أقحمه في رسائله حرصاً عليه وبخلا به على